رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 31 مايو 2006
العدد 1730

التنمية المجتمعية
د· منى البحر

في ملتقى منظمات المجتمع المدني ودورها في التنمية، الذي عقد في الدوحة هذا الأسبوع، وتحت إشراف كل من المنظمة العربية للتنمية الإدارية ومجلس التخطيط القطري، ركزت الكثير من الأوراق على أهمية التنمية المجتمعية، وكيف يمكن لنا في الوطن العربي أن نعزز دور مؤسسات مجتمعنا المدني وأن نجعلها قادرة على مواجهة تحديات العولمة وفاعلة في التمكين والارتقاء بالإنسان العربي في ظل التحديات الراهنة· لقد كان واضحا من الطروحات والمناقشات التي تمت حولها، أن جميع المشاركين في الملتقى مقتنعون بضرورة وأهمية التنمية المجتمعية المعنية، ليس فقط من جانبها الاقتصادي، ولكن تنمية الإنسان والأجيال القادمة والبيئة المحيطة بهم· غير أنه لم يتم التطرق بشكل عميق، إلا من البعض، إلى الآليات التي يمكن من خلالها تحقيق هذا النوع من التنمية· لم يتم التطرق إلي أهمية عملية "التمكين" وآلياتها، من  توسيع دائرة القدرات والخيارات لدى الناس، وتوفير التدريب والتأهيل المعرفي والمهني الحقيقي، وليس الشكلي، الذي يؤدي إلى زيادة قدرتهم الإنتاجية وضمان حقهم في العيش في بيئة طبيعية واجتماعية خالية من التلوث الكيميائي والسلوكي والأخلاقي· لم يتم التطرق بشكل عميق وواسع إلى جانب مهم من جوانب التنمية المجتمعية، والمتمثل في حفظ حق الأجيال القادمة في الثروات الوطنية، والحق في الثقافة والارتقاء الفكري والحياتي وكيفية تعزيزه وتطويره بالشكل الذي يجعله قادرا على الصمود في وجه تحديات العولمة·

أغلبية الطروحات ركزت على كيفية بناء حياة "نوعية" صحية وإنمائية، لكنها أيضا لم تتناول بعمق كيفية بناء مثل هذه الحياة النوعية، أو ما هو المقصود بالحياة النوعية، هل هي تلك الحياة المعنية فقط بالرفاه المادي والقدرة على الاستهلاك؟ أما هي تلك المعنية بالرفاه المادي بالإضافة إلى الارتقاء بحياة الإنسان على كافة المستويات والعلاقات والتوجهات؟ لم يتطرق غالبية الباحثين في أوراقهم إلى أهمية المشاركة الوطنية الفاعلة لتحقق الحياة "النوعية"، أو إلى ضرورة توفر الشروط الأساسية لتعزيز الانتماء والولاء وبناء الحصانة الوطنية وتفعيل الأصالة الثقافية·

إذا كانت التنمية المجتمعية مهمة وضرورية في الأحوال العادية، فإنها اليوم، وفي هذا الوقت الذي تتهاوى فيه حدود الزمان والمكان، وتتراجع فيه كل المرجعيات الوطنية والتقليدية، تصبح حاجة ماسة وملحة لا يمكن تجاهلها، ومسألة حيوية ومصيرية، وذلك لعدة أسباب جوهرية· ولن يسعني المجال هنا للتطرق لكل الأسباب التي تجعل عملية التنمية المجتمعية مهمة، ولكنني سأحاول التركيز على أهم ما يواجهها من تحديات، والمتمثل في تراجع دولة الرعاية وطغيان مشاريع الخصخصة· فكما هو معروف وملاحظ، ابتدأت كثير من دولنا، حتى تلك الغنية منها، مثل دول الخليج، تتراجع في تقديم الخدمات والامتيازات الرعائية التقليدية، بسبب ضغوط اقتصاد السوق المفتوح وقيمه الدعاية للمنافسة والمبادرات الفردية الخاصة والتي أخذت تقلص كثيرا من دور الدولة الرعائية· هذا بالإضافة إلى أن السير نحو خصخصة الكثير من المؤسسات الوطنية عمل على تحديد، بشكل كبير،  دور دولة الرعاية، حيث أصبح هم هذه المؤسسات الوطنية متمركزاً حول زيادة الربحية في الإنتاج من خلال تحسين النوعية من ناحية، وخفض النفقات من ناحية أخرى· وكلما "تتعولم" هذه المؤسسات وتدخل في دائرة القطاع الخاص، يبرز عامل الربحية بشكل أكبر وتمارس الضغوط على الخدمات الرعائية التقليدية، بهدف الحد منها أو إزالتها نهائيا، كلما أمكن· إن زيادة الربحية وتحسين النوعية الإنتاجية ليس مرتبطاً فقط بالحد من، وتقليص الخدمات الرعائية، ولكن أيضا بانتشار البطالة فيما بين المواطنين، حيث إن تحسين نوعية الإنتاج، مع تقليل تكلفته يعني في النهاية استقدام العمالة الماهرة والرخيصة، وخلق منافسة في أوساط الطاقة العمالية، بحيث تنتهي بأن تقبل العمل بأقل الأجور والامتيازات، وبشروط قاسية· وهذا يفسر لنا زيادة عدد المواطنين العاطلين عن العمل في معظم دول الخليج، بالرغم من تعدد وضخامة المؤسسات المحلية فيها· كما أنه يقودنا إلى إدراك أن وجود البطالة بين المواطنين هي حالة يتطلبها اقتصاد السوق المفتوح والمعولم، ولا يرجع وجودها لعدم توفر الوظيفة أو انعدام المهارة·

 وجود البطالة وانعدام الأمن الوظيفي، وقساوة وشراسة سوق العمل والمنافسة فيه، كلها عناصر تعمل بشكل أو بآخر على تشكيل تربة خصبة لظهور إشكاليات مجتمعية كثيرة، فهي تعمل على خلق حالات الإحباطات والإحساس بالغبن والحرمان، والذي قد ينتج أحقاداً متزايدة  تعمل على تهديد الأمن والاستقرار الاجتماعي العام· بمعنى آخر، إن الاستقرار الذي تعودت عليه مجتمعاتنا التقليدية في ظل دولة الرعاية أصبح يتلاشى شيئا فشيئا، في الوقت الذي ندرك فيه بشدة أن النهوض بعملية التنمية المجتمعية للحفاظ على الرأسمال الاجتماعي (الإنسان والثقافة···) مسألة ضرورية وملحة، ولا غنى عنها في عملية الاستقرار والأمن·

 جدير بالذكر هنا، أنه لكي نستطيع مواجهة تحديات العولمة ومتطلبات سوقها المفتوح وقيمها الربحية الصرفة، يجب علينا أن نضع برامج تنمية اجتماعية شمولية ومتكاملة· ويجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن حصانة الشخصية الفردية وخلق توازنها وقدرتها على تحمل الضغوط من ناحية، وقدرتها على التكيف والتواصل والمبادرة من ناحية أخرى، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال توفر مناخات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، مؤسسات المجتمع المدني، المدرسة···· إلخ) الإيجابية، الصحية والمتينة· وهذه بدورها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الإطار المجتمعي العام، المتمتع بالصحة والعافية والحيوية·

 

جامعة الامارات

albaharm@yahoo.com

�����
   

المراوغة في لغة المرشحين!:
سليمان صالح الفهد
الانتخابات وإرادة الشباب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
صرخة 1921!:
سعاد المعجل
دعوة للعشاء في مقرنا الانتخابي:
محمد بو شهري
ترف أم إرادة:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
طلبة الجامعة ودورهم المهمش:
فاطمة مسعود المنصوري
"مسافة الـ 1000 ميل تبدأ بخطوة":
مسعود راشد العميري
التنمية المجتمعية:
د· منى البحر
مراقبون دوليون:
د. محمد حسين اليوسفي
الاستيطان = الترحيل:
عبدالله عيسى الموسوي
نفخ في الصور:
د.ابتهال عبدالعزيز أحمد
العباءة والبرلمان!:
د. محمد عبدالله المطوع
الحكومة دائما على حق:
يوسف الكندري
هل يتخذ الناخبون موقفا وطنيا هذه المرة؟!:
فيصل عبدالله عبدالنبي
الحكومة تتفرج عليها:
على محمود خاجه