في 21 يوليو 2005·· نشرت "القبس" نصا كاملا لتقرير لجنة التحقيق في "هاليبرتون"·· التي أوصت بإحالة ماورد في تقريرها عن إجراءات التعاقد بين الطاقة·· وشركة "هاليبرتون" الأمريكية وشركة التنمية الى النيابة العامة·· مع تحميل وزير الطاقة "أحمد الفهد" ومسؤولي قطاع التسويق النفطي العالمي المسؤولية القانونية والمالية والإدارية عن الأضرار التي نتجت عن ذلك التعاقد!!
وقد أورد التقرير مخالفات قانونية ومالية وإدارية شابت التعاقد وما سببه من ضرر على المال العام·· هذا بالإضافة الى قول اللجنة بأن الجيش الأمريكي لم يتعاون في التحقيق ولم تتأكد اللجنة من ضغوط للترسية!!
تشكل قصة "هاليبرتون" في الكويت مثالا آخرا لظاهرة الفساد والعبث في المال العام·· لكنها قصة قديمة بدأت فصولها الأولى في الولايات المتحدة·· وتمتد الى الحرب العالمية الثانية!! في كتابه "أجندة هاليبرتون" يستعرض "دان بريودى" - خبير في شؤون التشابك بين السياسة والاقتصاد - تاريخ "هاليبرتون"·· ويحمّل هذه الشركة مسؤولية العبث بمقدرات دافع الضرائب الأمريكي· وكيف أن "هاليبرتون" مع فرعها "كيلوج براون و روت" أو ما أصبح يعرف بي "كبر" قد راوغت كثيرا مستغلة فرص تضارب المصالح السياسية والاقتصادية!!
يبدأ نفوذ "هاليبرتون" السياسي في يناير 1960 حين عرض "جورج براون" على الرئيس الأمريكي آنذاك "لندون جونسون" أن يشاركه في حصد الملايين·· وقد جاءت تلك الدعوة في أعقاب الثروة التي جمعها "براون" مستغلا نفوذ "جونسون" السياسي·· والتي قفزت بعائدات الشركة من 262 مليون دولار·· الى 472 مليون دولار إثر فوزها بعقود لإنشاء قواعد طيران في فرنسا وإسبانيا، ثم يستمر تأثير الخطوة السياسية التي مكنت "هاليبرتون" من الفوز بعقود الإمدادات اللوجستية للجيش الأمريكي من حرب فيتنام، وإلى حرب العراق· وقد وصل هذا النفوذ وتلك الخطوة أوجهما مع تولي "ديك تشيني" رئاسة مجلس إدارة "هاليبرتون" في العام 1995·· حيث بدأ في استخدام نفوذه في البنتاغون "والكابيتول"·· لتبدأ مرحلة جديدة بعد سنوات قحط "نسبيا" دامت عشرة أعوام!!
بالنسبة "لدان بريودى" مؤلف كتاب "أجندة هاليبرتون"·· فإن الشركة متهمة بالتعامل مع دول تعتبر وفقا للتعريف الأمريكي·· راعية للإرهاب·· مثل ليبيا وإيران!! هذا بخلاف الشكوك التي تحيط بعقود "هاليبرتون" و"كيلوغ براون و روت" (كبر) لما يتعلق بالإمدادات اللوجستية للجيش الأمريكي!· كما يشير "دان بريودي" إلى الرشوة التي دفعتها الشركة لأحد المسؤولين عن الضريبة في نيجيريا والتي بلغت 2,4 مليون دولار لتسوية قضية تتعلق بالأسبتوس كانت ستكلف "هاليبرتون" غرامة قدرها 4,4 بليون دولار!! وهذا كله يضاف الى مبالغة "هاليبرتون" في تسعيرة الوقود للجيش الأمريكي في العراق!!
تعكس قضية "هاليبرتون" مدى تداخل السياسة في الشؤون الاقتصادية·· بالإضافة الى النفوذ السياسي الذي يتمتع به رجال المال في الولايات المتحدة!! وهو نفوذ قوي يتحكم بكل شيء بدءا بالانتخابات الرئاسية·· ووصولا الى أصغر التفاصيل الاقتصادية!! ويكفي أن نعلم أن حكم الشركات الأمريكية العملاقة هو الذي يحدد هوية الرئىس الأمريكي، حيث تساهم تلك الشركات في الحملات الانتخابية الرئاسية·· بعد أن كان ذلك محظورا وغير قانوني في الأربعينيات!!
"هاليبرتون" الآن تقف في مواجهة القضاء الأمريكي·· والكويتي!! فهل ينجح القضاء في كبح جماح مثل هذه الشركات العملاقة؟! ليس بوسعنا أمام مثل هذا التحدي إلا أن ننتظر كلمة القضاء العادلة!!·
ينشر بالتزامن مع جريدة "البيان" الإماراتية
suad.m@taleea.com |