يقول الدكتور زكي نجيب محمود، في تجديده للفكر العربي: "إن سلطان الماضي على الحاضر هو بمثابة السيطرة التي يفرضها الموتى على الأحياء·· إن للزمن جلالا أيما جلال·· فما أسرع ما يتحول الأمر عند الإنسان من إعجاب بالقديم الى تقديس له يوهمه بأن المنظور، هو سيطرة الموتى على الإحياء، فما العادات والتقاليد بصفة عامة، إلا سلوكيات لبشر في الماضي، عاشوا في ظل ظروف معينة دفعت الى تبني هذا السلوك أو ذلك"·
علنا لا ننبهر كثيرا حينما نشاهد الكثير من العوام، يزدرون أو يمتعضون من مشاهدتهم لبعض البرامج الحوارية الجريئة، كون هؤلاء منذ نعومة أظفارهم تربوا وترعرعوا على قاعدة واحدة، الانصياع التام والأعمى لمن هم أكبر منهم سنا "إنا وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون" ولذلك نجد هؤلاء ورثوا وتوارثوا العديد من العادات والتقاليد الانهزامية التي أكل عليها الدهر وشرب، بيد أن الغريب في الأمر عندما يتجاهل هؤلاء البيادق وما أكثرهم في مجتمعنا صلب الموضوع لبرنامج رياضي مهم، وفي المقابل التي تم إطلاقها في نهاية البرنامج! ولقد لاحظنا ذلك تماما، عندما تابعنا البرنامج الرياضي الذي تم عرضه في أكثر من مرة في الأسبوع الفائت· ترى ما المشكلة الكبرى، عندما يقول ذلك الرياضي المشهور لذلك المسؤول الذي تسبب في انحدار رياضة كرة القدم بأنه غير صادق أو أنه كذب وراوغ في الكثير من مواقفه ولا سيما موضوع الاستقالة الذي تناقلته الصحافة قبل فترة؟ رئىس الولايات المتحدة بيل كلنتون أحيل للمحكمة عندما كذب في موضوع علاقته مع المتدربة الحسناء في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، إذا كان رئيس القطب الأوحد في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، يجر للقضاء ويتم عرض حلقات محاكمته أمام البلايين من البشر حول العالم، وكذلك بين الفينة والأخرى الشعب والصحافة البريطانية لا ترحم وتهاجم بكل ضراوة رئيس وزرائها طوني بلير لأنه لم يصدق القول بالحرب على العراق من أجل العثور على أسلحة الدمار الشامل·
لذلك علينا ألا نستهجن أو يستشاط البعض غضبا، عندما نقرأ أو نشاهد أحد البرامج الحوارية الجريئة، يتم فيها مساءلة ومكاشفة أحد المسؤولين في تجاوزاته أو تردي إدارته، مهما بلغ شأنه أو مكانته أو حتى مسماه· البعض يتصور، أنه في حال إسكات ذلك الصوت أو إبعاد الآخر من الإدلاء برأيه بكل شفافية، بأنهم سوف يتخلصون من ذلك المثقف الحر أو المتمرد على حد قولهم، ولكن ليعلم هؤلاء جيدا بأن الأمور في عالمنا في تغير سريع ومستمر، وبسب ثورة المعلومات الهائلة وانتشار القنوات الفضائية في كل حدب وصوب، لم يعد بالإمكان إخماد أصوات العقلاء والأحرار من طلب التغيير والتجديد في الأفكار البالية، فمن منا كان يتخيل أن العراق الشقيق بعد ذلك الحكم الاستبدادي الذي ظل قابعا على صدره لمدة تزيد عن ثلاثة عقود ونيف، تظهر فيه الآن العديد من الفضائيات والمئات من الصحف والمجلات التي تمثل كل الأطياف العراقية· لذلك علينا أن لا نتوجس بتاتا من الآراء الحرة والبرامج الحوارية الهادفة، وعلينا أن نشجع على الإكثار من هذه البرامج البناءة، خلافا لتلك البرامج الرتيبة والمكررة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع·
مي شدياق
إن المحاولة الجبانة التي خطط لها الأوغاد في النيل من الإعلامية الشجاعة مي شدياق، قد فاجأت كل صاحب ضمير إنساني، نتمنى في القريب العاجل أن يتم إلقاء القبض على هؤلاء السفلة، الذين لم ولن يوفقوا في مسعاهم في ترهيب كل صوت حر في لبنان الشقيق·
freedom@taleea.com |