منذ عقود وحكومتنا الرشيدة تواجه تحديات خانقة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكنها فشلت بجدارة في مواجهة هذه التحديات، ويعود ذلك ببساطة، لأنها فشلت فشلا ذريعا في مواجهة التحدي الذاتي الذي أعمى الأبصار وأفسد الرؤى وخلط بين التناقضات الأساسية والثانوية، وضاعت الأولويات بين صراع المصالح الشخصية على حساب مصلحة الوطن· فالاتهامات التي أطلقها رئيس جهاز أمن الدولة الشيخ مشعل الجراح وقال فيها إن الحكومة قامت بدفع سبعة ملايين دينار للنواب لتمرير حقوق المرأة السياسية يمثل اتهاما صريحا بوجود طرفين للرشوة هما الحكومة (الراشي) والنواب (المرتشي) ليؤكد بأن الفساد المستشري في جسد الدولة والوطن أصبح لا يندرج فقط في هدر وسرقة المال العام فقط·· بل يتعداه الى ما هو أخطر بكثير من هذا، انعدام الثقة والمصداقية بين من بيدهم آليات الضبط والرقابة والتشريع·· وممثلي الشعب وقدوته·· نعم الكويت هي بلد التناقضات طغت فيها قضايا الاختلاس والرشاوى وقيم الأنانية واحتقار العمل وإتقانه وكفاءته كمصدر أساسي للثروة كقيمة ومعيار·
لكن المفارقة المضحكة واللافتة أن الحكومة المتهمة بالرشوة تحتضن بعض الوزراء الإصلاحيين ممن أثبتوا كفاءة وحققوا نجاحات في مهامهم بجانب قدرتهم على التعامل مع مفردات الواقع الحالي ولغة المستقبل، لأنهم يملكون رؤية واضحة للتطوير والتحديث، ومهارات عملية وضعتهم في دائرة الضوء· يأتي في مقدمتهم وزير الأشغال بدر الحميدي الذي تبنى استراتيجية عمل وبرامج عرفت طريق التنفيذ على أرض الواقع عكس وزراء (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) أو وزراء سخروا سلطاتهم في خدمة علاقات الفساد والقرابة والمصالح الفردية· لكن مع الأسف في ظل غياب رؤية استراتيجية شاملة لمفهوم الإصلاح، وغياب التجانس الحكومي وفساد السلطة التشريعية تصبح إنجازات بدر الحميدي مرتبطة بشخصه وليس كسياسة عامة للدولة·
لذلك ينبغي على السلطة أن تعدل عقارب ساعاتها لتواكب زمن العولمة الذي لم يعد فيه مكان لغياب القيم الديمقراطية، وعلى الشعب الكويتي مواجهة أزمتنا الفعلية في التعاطي مع جوهر السلطة السياسية التي جعلت نفسها فوق المنافسة السياسية لتؤكد طابعها (القدسي) أو (الأبوي) المهيمن على النظام السياسي الكويتي، وأكبر من أن تخضع لقواعد التنافس السياسي الشريف· إن وضعية من هذا القبيل تفرض التساؤل عن الوظيفة الحقيقية للمعارضة البرلمانية التي تحولت الى معارضة ملجمة في ظل توازنات سياسية سخرت في خدمة السلطة وأصحاب النفوذ، وهو واقع غالبا ما يجعل القوى السياسية مهددة بالضمور السياسي، إنها حقا أزمة حكم جمعت بين (الراشي والمرتشي والوزير الإصلاحي)· |