رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 2 رمضان 1426هـ - 5 أكتوبر 2005
العدد 1698

الاقتصاد السياسي للمناخ
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

نشرت جريدة البيان (3/9) صورة نقلا عن وكالة رويترز وعلقت عليها بما يلي: "الصورة لكتلة ثلجية ضخمة عاشت مئات الأعوام في غرين لا ند، لكنها تحطمت وبدأت تذوب حديثا بفعل ارتفاع حرارة الكرة الأرضية"· والواقع أننا لا نحتاج الى هذه الصورة كي نقتنع اقتناعا شخصيا بأن معدلات الحرارة قد ازدادت عن ذي قبل·

فذكريات من انتصفت أعمارهم أو أكثر تحمل هذا الإحساس، كنا في الكويت إذا ما دلق سهيل (أي ظهر نجم سهيل) في الرابع والعشرين من أغسطس نشعر بانكسار في درجات الحرارة، وكان المثل الشعبي يجسد هذا التحول فيقول: "إذا دلق سهيل لا تامن السيل" (أي إذا ظهر نجم سهيل فلا تأمنن مباغتة السيول)· وكنا ننام على أسطح بيوتنا في الصيف، فنغرق بالنوم في النسيم العليل، وكان البرد الشديد يبدأ من أول شهر نوفمبر لينتهي في أوائل أبريل، وتبعا لذلك، كان رجال الشرطة ينزعون ملابس الصيف في غرة نوفمبر ليلبسوها ثانية في منتصف أبريل، أما حال اليوم فمعروف للجميع وحسبنا القول إن درجة الحرارة لا تقل عن الأربعين في منتصف ليالي الصيف!!

وقد ارتفعت درجة حرارة العالم بمقدار درجة فهرنهايت وحداة (ست أعشار الدرجة المئوية) عما كانت عليه قبل قرن مضى، لكنها حتما ستتسارع بالزيادة في السنوات القادمة· ويذهب القلة من العلماء الى تفسير هذا الاحترار بدورات المناخ استنادا الى وقائع تاريخية· فهم يقولون إن أوروبا قبل ألف سنة كانت تتمتع بمناخ معتدل لدرجة أن الكروم كانت تزرع في إنجلترا، وقد تبدل ذلك قبل 400 عام فقط وضربتها موجه برد أدت الى تجمد نهر التايمز· وتوصل علماء بريطانيون نشروا نتائج بحثهم في مجلة (سينس) ونقل موقع البي بي سي ملخصا له (27/4/2001) أن الألف سنة الأخيرة تميزت بحقبتين: العصور الوسطى الدافئة التي امتدت تقريبا من 900 الى 1200، والفترة الباردة التي امتدت من عام 1500 الى عام 1900 للميلاد·

بيد أن غالبية علماء البيئة يعتقدون الآن أن نشاطات الإنسان هي المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض· فاستخدام الغاز الطبيعي والنفط والفحم وإحراق الغابات على نطاق واسع كما يجري في منطقة الأمازون وإندونيسيا وغيرهما يؤدي إلى زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئىسي في الاحتباس الحراري، والمقدر في الوقت الحاضر بسبعة مليارات طن سنويا· ولكُم أن تتخيلوا كم ستكون عليه درجة حرارة العالم في أواخر هذا القرن حينما يصل مقدار انبعاث ذلك الغاز الى حوالي أربعين مليار طن سنويا، لو ظلت الأمور تسير على ما هي عليه!!

إن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا له آثار بيئية وسياسية واقتصادية وخيمة بتنا نتلمس آثارها وتمثل أول الغيث· فقد لا حظ تقرير الأمم المتحدة لمؤتمر "تحديات التنمية" الذي عقد في جنوب إفريقيا في العام 2002 أن سماكة ثلوج القطبين قد نقصت أربعين في المئة خلال الأربعين سنة الماضية، وتبعا لذلك تصاعدت مستويات البحار والمحيطات سنتيمترا واحدا في كل عقد· وهذا الارتفاع سيؤدي الى إغراق المناطق الساحلية المنخفضة كهولندا وبعض الجزر كجزر المالديف (كما يقول تقرير البي بي سي  10/9/2005)· ولعل ما حصل مؤخرا لنيو أورليانس خير دليل على ذلك· وبسبب ارتفاع الحرارة أخذت القمم المغطاة بالثلوج والبحيرات المتجمدة بالذوبان أبكر مما مضى، وهذا سيؤدي إلى نقص حاد في كميات مياه الشرب في منطقة الأنديز بأمريكا اللاتينية وفي غرب الصين·

ويُلاحظ أن موجات القحط والجفاف قد ازدادت وأصبحت أكثر قسوة، أما الأعاصير فقد رأيناها تأخذ شكلا عنيفا في الآونة الأخيرة ككاترينا وشقيقتها ريتا وتلك الأعاصير التي تضرب سواحل الهند والصين بين فينة وأخرى· وطبقا لمجلة سينس في عدد هذا الشهر، فإن الأعاصير في شمال المحيط الأطلسي بما فيها البحر الكاريبي وخليج المكسيك، بقوة 4 و 5 درجات قد زادت بنسبة 56 في المئة، من 16 إعصارا بين أعوام 1975 و 1989 الى 25 إعصارا بين 1990 و 2004· وهذه الأعاصير ليست من دون تكاليف بشرية ومادية، فحسب تقرير الأمم المتحدة المذكور أعلاه، فقد دفعت شركات التأمين تعويضا ناجمة عما أحدثته الأعاصير من تلف وأضرار في عقد الثمانينات ما مقداره بليونا دولار، زادت تلك المبالغ لتصل الى ثلاثين بليون دولار في عقد التسعينات·

لم يقف المجتمع الدولي أمام هذه الظاهرة عاجزا، فهناك جهود عالمية جماعية تصطدم بمصالح قومية ضيقة وهي بلا شك مصالح آنية، فقد تداعت دول العالم لعقد مؤتمر حول البيئة عقد في كيوتو في اليابان في العام 1997 وقرر خفضا جماعيا لانبعاث الغازات الضارة بمعدل يزيد قليلا عن الخمسة في المئة في العام 2012 بمعدل العام 1990· وقد وقعت على تلك الاتفاقية 156 دولة فيما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، المسؤولة عما نسبته 24 في المئة من إجمالي الغازات الضارة المنبعثة في الجو!!

وفي مؤتمر نظمة الرئيس الأمريكي السابق بل كلنتون في مدينة نيويورك هذا الشهر، قال رئىس وزراء بريطانيا توني بلير - وكان من أشد مناصري كيوتو - إن "السياسة قد أفسدت اتفاقية كيوتو" وإنه يعتقد أن الالتزام بها أصبح صعبا ويتعارض مع المصالح القومية لبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة خاصة أن ذلك التخفيض لم يشمل دولتين كبيرتين تتسابقان في مضمار التنمية والتقدم وهما الصين والهند (الديلي تلغراف 25/9)· على أن موقف الحكومة المركزية في أمريكا لم يمنع 178 رئىس بلدية فيها من التوقيع على تلك الاتفاقية هذا العام (ولعل هذا من حسنات النظام الفيدرالي) إضافة الى 60 رئىس مدينة مثل شنغهاي وموسكو وريو· وقد وافق هؤلاء على اتخاذ 21 إجراء فعليا تتعلق بنفايات الطاقة والتصميمات الحضرية والصحة والمياه والنقل (البي بي سي 10/9)·

بقي أن نقول ما أحوجنا في منطقتنا الخليجية الى الترفق ببيئتنا ونحن في غمرة طفرتنا العمرانية، التي لم تكفها صحارينا بما وسعت بل اتجهت نحو شواطئنا أيضا·

alyusefi@taleea.com

�����
   

الراشي والمرتشي والوزير الإصلاحي:
د·أحمد سامي المنيس
"بليا راس":
عبداللطيف الدعيج
أسرى الكويت... مأساة يجب أن تروى!:
سليمان صالح الفهد
أصالة الشعب العراقي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
هاليبرتون في قبضة العدالة!!:
سعاد المعجل
الرأي المكشوف:
المحامي نايف بدر العتيبي
حقول الشمال: بنود غامضة:
المهندسة سعاد المنيس
سقف الحرية بارتفاع لا محالة:
محمد بو شهري
الطرق الوعرة!:
عامر ذياب التميمي
الاقتصاد السياسي للمناخ:
د. محمد حسين اليوسفي
"طبخ طبختيه":
على محمود خاجه
..من صحافة العدو:
عبدالله عيسى الموسوي
قراءة في انتخابات الجامعة:
كامل عبدالحميد الفرس
الإسلام دين المبادئ ولكن..؟(2 - 2):
علي غلوم محمد
لولا استمرار احتلالكم لجزرنا لكنتم "الأعلون":
عبدالرحمن خالد الحمود
حقولنا الشمالية:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
"صيغة اتفاقية وهواجس أمنية":
مسعود راشد العميري