التاريخ قد انتهى، أو كما قال الرجل: Game is Over!! حيث انتصرت الرأسمالية على كل من الاشتراكية والإسلام على التوالي·· فليس أمامك، أخي القارئ، إلا أن تكون “واقعياً” مستسلماً لِلّحظة التاريخية النشاز التي نعيشها الآن·

الواقعية، التي نسمع عنها في الإعلام العربي “الواقعي” المرئي، ونقرأ عنها في شقه المقروء، ليست غير كلمة مرادفة، لدى العقول المنتهية مدة صلاحيتها، لكلمة الانبطاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل والفكري والحضاري، والنفسي والقلبي·· والعسكري أيضاً!!

فإذا كان فريق كرة القدم مهزوماً في شوط المباراة الأول، فعليه أن يجلس في شوطها الثاني·· بين صفوف المتفرجين، لأن المقاومة في الشوط الثاني تعد مناقضة للواقعية!!

إذا قمت، أخي القارئ، بسؤال أيّ من هؤلاء “الواقعيين الجدد” أصحاب النظرة الأحادية العوراء، عن سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية التي حكمت الأرض 500 سنة، فلن يعترف لك بأي جواب، من أجل “خدمة” أمراضه النفسية التي يحاول إيصالها إلى عقلك·· جهلاً منه، حسب “أنظف” الاحتمالين!!

وإذا “غلّست عليه شويّة” فسألته عن المقر الذي توجد فيه، الآن، حكومة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بريطانيا (العظمى)، فسيقول لك إنها لم تعد تسمى بالتسمية المذكورة، لأنها انكفأت على نفسها الآن، فليست الآن سوى الدولة التي·· لا ترى الشمس أصلاً بسبب الضباب!!

الإمبراطورية الإسلامية نفسها، التي أحاطت بالقارة الأوروبية من ناحيتي الشرق والغرب، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت·· ولكن دون أن تضيق عليهم أنفسهم وإرادتهم لعملية “تغييرية” ما تعيدهم قادة لقاراتهم وسادة لها·· جعلتهم مع عوامل أخرى أهمها تفرق أمراء المسلمين وتشتتهم، يستعيدون قارتهم من الأمراء المسلمين المشتتين في “مدنهم” التي كانت كل منها مستقلة عن الأخرى في الأندلس إضافة الى انشغال أمراء الأندلس بملذات قصورهم عن السياسة و”الدوخة” التي تسببها للإنسان “المستلذ”!!

“لو” كان الإسبان “واقعيين” بالمعنى الذي “يُراد” لنا نحن أن نفهم الواقعية به، لكان أولئك الأمراء المشتتون يحكمون الأندلس حتى هذه اللحظة!!

إنّ للكون سنناً تحدّث عنها منبع الحكمة قرآننا الكريم، وتلك السنن كثيراً ما يتم التعبير عنها عن طريق آيات كريمة تتضمن (فعل شرط) و(جواب شرط)، أو بتوظيف الأدوات اللغوية التي تفيد “التعليل”·

فالسنن الكونية المتضمنة في القرآن المجيد ما هي إلا وصفات حكيمة تبيّن (مقدمات) معينة·· إذا تحققت تتحقق على نحو مؤكد (النتائج) المترتبة عليها· إنها ليست معجزات خارقة للعادة، ولكنها سنن التاريخ والكون التي تشبه المعادلات العلمية الواضحة: س+ص = ع··· إلخ!!

ومثال ذلك قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبتْ أقدامكم”، (سورة محمد، الآية 47)، نلاحظ أن المقدمة هي أن يبادر المؤمنون بنصرة الله لتكون النتيجة الحتمية هي أن ينصرهم رب العزة سبحانه· ومن كان “يشك!” في مدى فاعلية نصرة الله للمؤمنين، تَأْتِه سنّة كونية ثانية في آية أخرى تبيّن له الأمر التالي “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”، (سورة آل عمران، الآية 160)· ومن السنن كذلك، قوله تعالى “إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”· والأمثلة كثيرة·

ولكن المهم هنا، هو أن لا يقوم جُهّال الأمة برسم سبل التغيير، فالمنوط به تحديد ذلك ينبغي أن يكون عارفاً بكلّ من كتاب الله، والزمان الذي نعيش فيه، الاثنين معاً، ولا ينطبق ذلك إلا على الفقهاء الأعلام مراجع الدين الذين أنفقوا في هذا السبيل شبابهم وجهدهم، بعيداً عن الشباب المتحمس على نحو عاطفي اندفاعي غير محسوب العواقب!!

فالأمم التي تتم مهاجمتها في عقر دارها، لا يجوز لنا أن ندعوها إلى الاستسلام والانبطاح والخضوع واللافعل تحت شعار “الواقعية” الخادع، وذلك لأن كُلاًّ من: الواقع: وتغيير الواقع·· يُعدّان ركنين أساسيين يكمّل أحدهما الآخر في “معادلة الواقعية” الحقيقية··!!

نعم، إنه كذب على الذات أن نقول إننا نحن الأقوى عالميّا الآن، ولكن الكذبة الكبرى هي أن نقوم بإقناع أنفسنا بأن يد الله مغلولة والعياذ بالله، بل غُلّت أيدي القائلين بذلك من غير اليهود ومنهم!!

drjr@taleea.com