رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 يونيو 2006
العدد 1731

مناهج الكراهية
د. لطيفة النجار
Latifa64@emirates.net.ae

يشكل التعليم - خاصة في عصرنا هذا- عصب الحياة وحاجة أساسية لا يمكن التهاون بها أو التقليل من خطرها في تشكيل مستقبل الأمم، وضمان بقائها قوية متماسكة، وفي تنشئة الأجيال الصاعدة وفق منظومات معينة من القيم والمبادئ والتصورات التي - إن هي رسخت في أفئدة الناشئة وتشربتها عقولهم - تصبح مع الوقت دستورا عاما تنطلق منه الرؤى وتُرسم على هدي منه صورة المستقبل في أفق الزمن الممتد القريب والبعيد·

وعلى الرغم من أهمية الجانب المعرفي لمحتوى المناهج التعليمية على اختلافها في النوع والمضمون والمستوى إلا أنّ الجوانب الأخرى القائمة على مخاطبة وجدان المتعلم وتنشئته على اتجاهات نفسية وعاطفية وفكرية معينة لا يمكن النظر إليها على أنها عنصر رديف أو ثانوي في التعليم؛ فالاتجاهات الوجدانية والقيم التي يحرص القائمون على التعليم أن يغرسوها في نفوس الصغار من خلال صياغة الخطاب التعليمي صياغة خاصة ومن خلال التوجيه المباشر وغير المباشر الذي يثير تفكير المتعلم ومشاعره نحو قيم تربوية وأخلاقية معينة هو الذي يشكل - مع الوقت - موقف المجتمع عامة من القضايا ذات الأهمية، ويضع أمام الآخرين تصورا عن المنظومة الأخلاقية التي تحكمه والتي توجهه نحو اتخاذ كثير من القرارات والمواقف·

ويفترض في التعليم أن يقوم على أسس متينة من المنطلقات التربوية والأخلاقية التي تكفل أن ينشأ الناشئة على تقدير الخير والحق والجمال، وأن يربوا على القيم الإنسانية النبيلة التي تغرس في نفوسهم بذور العدالة والمساواة والتواضع، وتجعلهم يأنفون من الظلم والتعصب الأعمى والكذب والتزييف، وتنشئهم على قبول الاختلاف مع الآخر واحترام حقوقه ومعتقداته وتراثه· وهذه مسلمات عامّة، لا تختص بمجتمع تعليمي دون آخر، ولذلك يحرص القائمون على التعليم في أي مكان على أن يصاغ الخطاب التعليمي في الكتب المنهجية بلغة تتحرر من أي توجهات سياسية أو أفكار عنصرية أو تصورات ذات طبيعة تعبوية سلبية تؤثر تأثيرا سيئا في تشكيل رؤى المتعلم وأفكاره، وفي بناء شخصيته الإنسانية السوية·

ولكنّ هذا الأمر يختلف اختلافا جوهريا جذريا حين ينتقل الحديث إلى مناهج التعليم الإسرائيلية؛ إذ تنطلق هذه المناهج من منطلقات خاصة تنسجم مع طبيعة الصهيونية الموغلة في العنصرية وأحادية الخطاب· أما المسلمات التربوية العامة التي أشرنا إليها آنفا فهي غائبة ولا وجود لها في لغة الخطاب التعليمي الإسرائيلي· وقد ظهر هذا الأمر واضحا في كتاب الدكتورة صفا محمود عبد العال "تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية" الذي قام على تحليل ستة عشر كتابا من كتب التاريخ والجغرافيا للمرحلة الابتدائية؛ إذ يفاجأ القارئ بالعنصرية البغيضة التي تطفح بها لغة التعليم في هذه الكتب، وبالتوجهات المليئة بالحقد والكراهية تجاه العرب، وبالفكر العدواني التوسعي الذي تنطلق منه نصوص هذه الكتب، والتي ترينا رأي العين كيف أنّ فكرة إسرائيل الكبرى فكرة راسخة في الفكر الصهيوني تربى عليه الأجيال وتصاغ في كتب التعليم بشكل مباشر صريح·

وأول ما تركز عليه الدكتورة صفا في تحليلها لمضامين هذه الكتب هو الصورة التي ترسمها للعرب أو للشخصية العربية؛ إذ يلاحظ أنها تصف العرب بصفات وضيعة دالة على ثقافة عدوانية واضحة، فهم - أي العرب -  "اللصوص المختلسون، والإرهابيون، والزائرون والكلاب، والمتوحشون، والأنذال، والمتعطشون للدماء اليهودية، وقطاع الطرق، والبدو المتخلفون، والفقراء الذين يعطف عليهم اليهود، والسفاحون المتآمرون، والخونة، والأفاعي والثعابين والزواحف"، هذه هي صفات العرب في كتب التعليم الإسرائيلية كما تنقلها المؤلفة عنهم نقلا موثقا·

وتشير المؤلفة إلى أنّ عبارة "السكان العرب" تتردد كثيرا في مناهج الدراسات الاجتماعية "في إشارة إلى نفي الوجود الفلسطيني على أرضه"؛ إذ يحاول الفكر الصهيوني دائما أن يظهر الفلسطينيين على أنهم "الزائرون" و "الغرباء" لتأكيد أن فلسطين "أرض بلا شعب" وهذا ما صرحت به قبل ذلك جولدامائير التي تولت لفترة طويلة وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء حين قالت "لا يوجد هناك فلسطينيون، إنهم غير موجودين أصلا"· ولتأكيد هذه الفكرة فإن بعض النصوص الواردة في هذه الكتب تشير إلى أنّ مناطق من مثل الضفة والقطاع وسيناء والجولان والقدس الشرقية وجنوب لبنان كانت "تسكنها جماعات يهودية منذ القدم" وأن كل ما احتله اليهود من أرض "وبخاصة في فلسطين والجولان هي أرض إسرائيل "المحررة" وليس المغتصبة· ومن ثم فإنها بتوسعها إنما تسترد حقوقها التاريخية في الأرض التي منحها الرب لبني إسرائيل"·

ليس أمام القارئ وهو يمضي في قراءة النصوص المقتبسة من تلك الكتب إلا أنْ تتعمق في نفسه القناعة بأنّ مسألة السلام التي يتغنى بها السياسيون ويروجون لها ما هي إلا وهم كبير يشبه إلى حدّ كبير الأكاذيب التي تغص بها كتب التعليم الإسرائيلية· إن إسرائيل كيان تأسس على الافتراءات، وهو يستمد وجوده من المضي قدما وبلا تردد في ترسيخ الأكاذيب· وليس أدل على ذلك مما يعترف به اليهود أنفسهم؛ إذ تعكس أقوالهم نظرتهم الذاتية لأنفسهم؛ يقول أحدهم إنّ مهمتنا الآن هي "أن نعترف بوضاعتنا منذ بدء التاريخ حتى يومنا هذا، وبكل نقائص شخصيتنا، فاليهود يودون الحياة كالنمل أو الكلاب· شعب لا يعرف أفراده سوى الأنين والاختفاء حتى تهدأ العاصفة، يدير ظهره لإخوانه الفقراء ويكدس دراهمه، ويتجول بين الأغيار ليؤمن معيشته بينهم، ثم يقضي نهاره يشكو من معاملتهم له ويقول آخر إن اليهودي شخص غير طبيعي ناقص، منقسم على نفسه، ويهود الشتات شعب نصف ميت، مصاب بطاعون التجول"، إننا لم ننظر إلى اليهود طيلة تاريخنا نظرة عنصرية، واحترمنا إنسانيتهم ولم يمس أحد عقيدتهم في شيء، وظلوا يحتفظون بحقوقهم على مدى الزمان، ولم تبدر بحقهم أي بادرة عنصرية، ولعل القائمين على المناهج الإسرائيلية أنفسهم يؤمنون بأن ما يقولونه محض أكاذيب، ولكن هدفهم يظل المقدم على قول الحقيقة، إنهم يريدون لناشئتهم أن يظلوا محتشدين بالنظرة العنصرية التي تيسر لهم أن يحتفظوا بالشك والخوف من الآخر، وألا يقتربوا منه من مقتربات إنسانية· وإذا كان ثمة عبرة من هذه المناهج التي تبنى على التضليل والافتراء فإنها جديرة بأن توجهنا نحو تأمل مناهجنا من زاويتين: جانب التربية الوطنية وهو تعميق الانتماء إلى الوطن والأمة بتعظيم اللغة العربية في نفوس ناشئتنا، واحترام مبادئ ديننا، وجانب التقدم العلمي بالتوجه نحو بناء قاعدة علمية تقوم على الإنتاج بعيداً عن قيم الاستهلاك المريضة·

*جامعة الإمارات

�����
   
�������   ������ �����
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم
حين يميل الميزان
منذورون للموت
الترجمة.. سلاح القوة المفقود
نشد على يديْ هذا الرجل
إشكالية الثقافة
لبنات المجتمع الكبير
اللغة العربية في جامعاتنا العربية
الانتزاع من الوطن
مفهوم التحضر.. تساؤلات ومواقف
كوب لبن أم كوب ماء؟
فراشة مبتسمة تطير من شدة الفرح
هوية في مهب الريح
عن الرياضة والثقافة
العمى والبصيرة
مَنْ لأبنائنا؟
ثوابت ومتغيّرات
الطب.. وأخلاقيات المهنة
تحولات المكان
  Next Page

يصير خير!:
سليمان صالح الفهد
فرز سياسي!!:
سعاد المعجل
نمور وصقور وأسود؟!:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
من أجل حفنة دنانير يبيعون الوطن!!:
محمد بو شهري
صوت المرأة.. للرجل!:
المحامي نايف بدر العتيبي
أطفال العراق... ضحايا الديمقراطية :
د· منى البحر
حملة انتخابية قوية:
د. محمد حسين اليوسفي
تعقيب على جنازة ديمقراطية :
عويشة القحطاني
محطات من الصراع:
عبدالله عيسى الموسوي
مناهج الكراهية:
د. لطيفة النجار
خطة التنمية للمرحلة الثانية :
د. محمد عبدالله المطوع
مرشح خدمات:
يوسف الكندري
حديث اللحى:
على محمود خاجه