لم يخف الكثير من المسؤولين الأوروبيين دهشتهم واستياءهم إثر إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش ترشيحه للرجل الثاني في وزارة الدفاع، ومهندس الحرب على العراق لمنصب رئيس البنك الدولي، وقد ركز بوش على خبرة وولفويتز في الخارجية الأمريكية والبنتاغون وكسفير سابق لدى أندونيسيا، ولم يفت الرئيس الأمريكي أن يذكر بأن وولفويتز (ملتزم التنمية) وبأنه رجل متعاطف مع الآخرين ومحترم·· وبأنه سيقوم بعمل رائع في البنك الدولي!!
دهشة المجتمع الدولي من هذا الترشيح لا تعود الى كون المرشح هنا أمريكيا!! ولا لأنه مهندس حروب·· وصقر من الصقور الأمريكية المتمرسة في شؤون الدفاع والمخابرات والشؤون العسكرية وحسب!! وإنما لأن البنك الدولي شأنه شأن كل الهيئات التنموية الدولية·· متهم بتسييس برامج الإعانات التنموية وبصورة جعلت البنك الدولي وعبر تاريخه يدخل طرفا في النزاعات السياسية بين الدول!! وهو أمر يتناقض مع دستوره التنموي البحت·· والذي يجب أن يكون محصنا وبمعزل عن أي ضغط أو نفوذ سياسي!! في كتابه عن العولمة يلخص جوزف ستيجليتز ذلك التداخل بين السياسة والتنمية والذي طالما أثر على مهمة وصورة البنك الدولي!!
وعلى الرغم من أن ستيجليتز قد خدم في الإدارة الأمريكية إبان عصر كلينتون إلا أن مجال تخصصه كان مقنعا أكثر من مجال تخصص المرشح الأمريكي الجديد "وولفويتز" حيث كان جوزف ستيجليتز كبير المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون قبل أن يصبح كبير الاقتصاديين في البنك الدولي حتى العام 2000!!
يصف ستيجليتز زيارته الأولى للبنك الدولي عند تسلمه منصبه في فبراير 1997 حيث شد انتباهه شعار البنك الذي يقول "حلمنا·· عالم بلا فقر"·· والتمثال الكبير لولو صغير يقود رجلا أعمى·· في إشارة الى واحد من أبرز برامج البنك الدولي لمكافحة عمى الأنهار الذي كان يصيب أعدادا كبيرة من الشعوب في إفريقيا·
بالنسبة الى جوزف ستيجليتز فإن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي وغيرهما من مؤسسات دولية تنموية قد أصبحت سببا أو جزءا من مشاكل دول العالم الثالث الفقيرة، وذلك لأن قرارات تلك الهيئات تعكس بطبيعة الحال مصالح أصحاب القرار الذين هم غالبا ما يضعون مصالح دولهم التجارية والمالية في الاعتبار حين يأتي الحديث عن أهلية دولة ما للإعانة·
وما مظاهرات براغ وسياتل وواشنطن وجنوى الإيطالية سوى دليل على استياء العالم من جنوح المؤسسات التنموية عن دورها الأساسي أو المتوقع!!
ليست هي المرة الأولى التي يكون فيها الخلط بين التنمية والسياسة واضحا كوضوح المرشح الأمريكي الجديد لإدارة البنك الدولي!! فلطالما أبدى مسؤولون في المؤسسات التنموية الدولية تذمرهم من تدخل القرارات السياسية في برامج تلك المؤسسات التنموية!!
وبخلاف مكنمارا الذي ترأس البنك الدولي في فترة من الفترات·· واستطاع أن ينتشل برامجه من حلبة الصراع السياسي الدولي·· فإن أغلب مديري البنك واجهوا تهما متفاوتة بالانحياز واللاموضوعية!!
لكن أن يكون رئيس البنك الدولي مهندس حروب·· وصقرا من الصقور الأمريكية·· وعسكريا من وزارة الدفاع·· فهذا خروج فاضح عن خط وفلسفة البنك الدولي لمؤسسة تنموية محايدة!!
suad.m@taleea.com |