يتساءل المرء كيف يمكن أن يجتمع النقيضان في شيء واحد، كالديمقراطية المتكاملة والديمقراطية الشكلية، ولا سيما في عالم يتجه نحو مزيد من الحريات واحترام حقوق جميع البشر بمختلف مشاربهم وأعراقهم؟ المعضلة أنه في الوقت الذي ينشغل فيه الكثيرون، بين بعض أحداث الماضي المثيرة للجدل وترهات الحاضر، ذكرت في إحدى مقالاتي السابقة عن واقع العالم المتحضر وشغفة للعلم وواقعنا المؤلم· فالعالم المتقدم يتعاون من أجل البحث عن وجود الماء وأي شكل من أشكال الحياة العاقلة على كوكب المريخ، ولذا يرسلون المسبار بيجل تلو الآخر، بينما هؤلاء السفسطائيون أرباب العقول الصدئة يتناطحون حول توافه الأمور، وينقسمون الى فرق عدة، وكل فريق يظن أنه يمثل كامل الحقيقة وكمالها·
كما هو معلوم أن النظام الديمقراطية - الذي تعاديه بعض القوى المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي - قد أثبت بجدارة أنه النظام الأفضل نتيجة لممارسته من قبل الدول المتحضرة، والتي أدت الى تطور العلاقة بين السلطة والشعب، وكذلك أدت الى تطور مفهوم الحريات واحترام الأقليات، وبالتالي انعكس على سرعة التقدم العلمي والتكنولوجي لديهم، فأصبح شاغلهم الأساسي هو الإنسان وكرامته· بينما مفهوم الديمقراطيات الشكلية التي مارستها معظم الحكومات العربية والإسلامية في القرن الماضي بعد جلاء الاستعمار، قد تمت صياغتها حسب رغبات وأهواء رؤسائها، فأفرزت أنظمة رجعية ومجتمعات فقيرة وجاهلة ذات نزعة سلبية وجماعات إرهابية تسمى بالإسلامية، تضلل الشعوب وتحمل راية الدمار والانتهاكات، أينما وجدت في الوطن العربي وغيره، وكذلك أدت الى حرمان المرأة من ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية والتي منحها إياها الدستور وكفل لها الإسلام ذلك، إن الجماعات الإرهابية التكفيرية التي خرجت من رحم الحكومات المستبدة والديمقراطيات الشائنة، سعت بكل السبل الى وأد الديمقراطيات الوليدة والتي يعول عليها في إحداث تغيير فعلي في مفهوم الحرية، فما يحدث في العراق من مجازر يومية وهتك لحقوق الإنسان في العيش الكريم دليل على محاولة الجماعات الهمجية البربرية فرض شريعة الغاب بدلا من شريعة القانون·
ومما لا شك فيه أننا كنا نتصور أن ممارسة الديمقراطية في لبنان الشقيق هي الأفضل على مستوى العالم العربي أجمع، إلا أن مسار تلك الديمقراطية كان يشوبه بعض المآخذ الجلية للعيان، كونها لم تمارس بشكل كامل وبإرادة لبنانية صرفة، مما أدى ذلك كله الى غليان في الشارع اللبناني وقياداته الحزبية، بين موال ومعارض وصامت مترقب للوجود العسكري والاستخباراتي السوري، مما ترتب عليه بروز فجوة بين أبناء الشعب الواحد وتخوف من نزاع أهلي داخلي، ما لم تحسم الخلافات بشكل سريع·
أما الديمقراطية في الكويت فحدث عنها ولا حرج، فمنذ نشوئها والأعداء يتربصون بها لإفشالها، من تزوير لنتائج المجلس الى حل غير دستوري وصولا الى العبث بعدد الدوائر من 10 الى 25 منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حتى برزت للسطح تكتلات طائفية وقبلية وأثنية يصعب التخلص من تداعياتها، وناهيك عن زمر نواب الخدمات ومخلصي المعاملات الذين أضروا بالبلاد والعباد أكثر من نفعهم لبعض الأفراد الانتهازيين الوسخين، لذا الحل الناجع والأسلم، هو العودة الى الـ 10 دوائر· أما بالنسبة لباقي الدول العربية والإسلامية فديمقراطياتها ليست بأحسن حالا من باقي الديمقراطيات الزائفة والتي ابتليت بها شعوبها·
الأستاذة فريال الفريح
إنها حقا فرصة ثمينة حينما يتلقى المرء منا النصيحة، من قبل الأستاذة الفاضلة فريال الفريح حرم الأستاذ والمناضل الوطني عبدالله النيباري، فلهما كل الحب والتقدير·
freedom@taleea.com |