رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 صفر 1426هـ - 23 مارس 2005
العدد 1670

إعلان شبين الكوم
د. محمد حسين اليوسفي
alyusefi@taleea.com

وافق مجلس الشورى المصري بالإجماع في السادس من الشهر الجاري على الاقتراح الذي تقدم به الرئيس حسني مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور· وانبرى أكثر من متحدث للإشادة بخطوة الرئيس "التاريخية" لعل أبرزها دلالة - كما نقلت الأهرام - ما أشار إليه الدكتور حسن حجازي في ختام حديثة حينما قال: "إننا جميعا نشكرك أيها الرئيس فقد أثبت بالفعل أنك فلاّح من أرض مصر"· هذه الصورة الرمزية هي بالضبط ما أراد الرئيس مبارك أن يقدمها للعالم حينما قصد في السادس والعشرين من فبراير الفائت مدينته شبين الكوم (82 كم شمال القاهرة) في محافظة المنوفية ليعلن منها على رؤوس الأشهاد فتح المجال أمام المنافسة على منصب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع الشعبي العام، وكأن لسان حاله يقول إن هذا القرار جاء نتيجة لقناعاته الشخصية وليس رضوخا لإملاءات خارجية·

والاقتراح يهدف الى تعديل المادة 76 التي تقضي بأن الترشيح لرئاسة الجمهورية يتم أولا بمجلس الشعب وبموافقة ثلثي أعضائه، ثم يعرض على الاستفتاء العام· وهذه المادة من الدستور الذي وضع في العام 1971 كانت تنسجم مع الوضع القائم آنئذ، حيث كانت مصر تحكم بواسطة نظام الحزب الواحد وهو "الاتحاد الاشتراكي"، الممثل لقوى الشعب العامل من فلاحين وعمال ورأسمالية وطنية· وكان يفترض تعديل تلك المادة حينما عادت مصر الى نظام تعدد الأحزاب في العام 1976، وما يحمد للرئيس هو قيامه شخصيا باقتراح التعديل وليس تركه لمجلس الشعب أن يطلب ذلك، إذ إن أي تعديل في مواد الدستور يستوجب اقتراح ثلث أعضاء المجلس· وهذا كان صعب المنال·

وقد اعتبر مراسل الـ"بي بي سي" في القاهرة (مالكوم برابانت) اقتراح الرئيس تحركا في غاية البراعة أو ضربة معلم كما يقال· فبهذا القرار المباغت يسحب الرئيس البساط من تحت أقدام المعارضة، ويسكت في الآن نفسه الانتقادات الأمريكية لأسلوبه في إدارة البلاد· وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد أشار الى مصر والسعودية، ضمن خطابه في حفل تنصيبه رئيسا لدورة جديدة، قائلا بأن عليهما العمل أكثر لتحقيق الديمقراطية· وقد سارعت الإدارة الأمريكية بالثناء على القرار، في حين وصفت حليفتها الأولى بريطانيا بلسان رئيس وزرائها توني بلير القرار بأن "له أهمية كبرى"· واستعار بلير، الذي كان يتحدث لصحيفة الجارديان (2/3/2005) تعبير رئيس وزراء بريطانيا السابق هارولد ماكميلان "رياح التغيير" - وهو التعبير الذي أطلقه في الستينات لوصف نهاية عهد الاستعمار في أفريقيا - أقول: استعار توني بلير تعبير "رياح التغيير" ليصف ما يجري في الشرق الأوسط من تحولات نحو الانفتاح والديمقراطية·

وأثنت المعارضة المصرية أيضا على القرار واعتبرته "مبادرة تاريخية"، برغم مطالبتها بالمزيد· ولقي القرار ارتياحا عاما في الشارع المصري، كما تنقل "الرأي العام الكويتية" من مراسلها في القاهرة (5/3/2005)· وفتحت الـ"بي بي سي" صفحاتها على شبكة الإنترنت لتعليقات متابعيها، فجاءت كالعادة بين مؤيد ومعارض· لكن من أطرف تلك التعليقات ما جاء بقلم (السامي من القاهرة) حيث كتب قائلا: "لولا سياسة مبارك - أيا كان نوعها - لأصبحنا الآن مثل العراق· وأحب أن أذكر السادة المعارضين بالمثل المصري الذي يقول - وقد كتبه بالفصحى - الذي يده في الماء ليس مثل الذي يده في النار"· ولعل ما عبر عنه هذا المواطن يعكس خشية الكثيرين في الشارع المصري من عملية التغيير خاصة أن التيار السياسي السائد في الشارع هناك هو تيار الإخوان المسلمين، الذي يسيطر على الكثير من مؤسسات المجتمع المدني، والذي نما على حساب باقي التيارات والأحزاب في ظروف المحاباة وعدم تكافؤ الفرص التي أعقبت مجيء الرئيس أنور السادات للحكم، فضلا عن "البترودولارات" الخليجية التي تدفقت - بأشكال متعددة - لخلق صحوة دينية استفاد منها حزب الإخوان المسلمين· وهذا الحزب ليس له رؤية واضحة للديمقراطية والمواطنة، وهو لم يتطور فكريا وسياسيا ليتواكب مع المجتمع باحتياجاته الحديثة وبتشابك علاقاته الدولية، كما فعل قرينه حزب العدالة والرفاه في تركيا·

والحركة الديمقراطية عريقة في مصر، وهي واكبت تطورها وانفتاحها على أوروبا منذ عصر النهضة العربية الحديثة· فتمتعت منذ العام 1866 بدستور وضع في عهد الخديوي إسماعيل فضلا عن مجلس شبه منتخب مكون من خمسة وسبعين عضوا سمي بمجلس شورى النواب· وخلال النصف الأول من القرن العشرين، عرفت مصر الحياة النيابية والحزبية وحرية الصحافة وغيرها من أشكال الممارسات الديمقراطية· ولعل أحد أخطاء ثورة يوليو 1952 - رغم إنجازاتها العظيمة - هي إلغاؤها للحياة الحزبية وللانتخابات الحرة وتقييدها للحريات السياسية المختلفة· وربما يعود ذلك الى سيادة فكرة "الديمقراطية الشعبية" في مقابل "الديمقراطية الليبرالية"، إلا أن الزمن قد أثبت أن النظام الديمقراطي له أسس واحدة أبرزها التداول الحر للسلطة وحرية التنظيم والرأي·

وتعيش مصر تحت قانون الطوارئ منذ العام 1981 وهو الأمر الذي يضعف من الحقوق الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن المصري في ظل الدستور القائم· وإذا كان هذا القانون قد سن لمكافحة التطرف الأصولي، الذي كلف مصر الكثير، فإن هذا التطرف أصبح من مخلفات الماضي، وهذا يعود الفضل فيه لحزم الرئيس وحسن سياسته· وعليه، فإن قانون الطوارئ هذا أصبح زائدا عن الحاجة فضلا عن أنه يعطي صورة مشوهة لمصر· ثم إن ترك ولاية الرئيس مفتوحة دون تقييد بفترتين رئاسيتين - كما كان بنص الدستور الأصلي - يخل بمبدأ تداول السلطة الذي هو أس الديمقراطية·

إن تربة مصر خصبة للتطور الديمقراطي، ففضلا عن عمقها الحضاري وتجربتها السياسية الحديثة الممتدة لأكثر من قرنين، فإن بها قاعدة علمية ضخمة، توسعت توسعا كبيرا في السنوات الماضية· فوفقا للدكتور عمرو سلامة، وزير التعليم العالي، فإن التعليم العالي يستوعب %30,5 من الشباب من سن 18 الى 23 سنة· وتضم منظومة التعليم العالي 2,2 مليون طالب وطالبة في 278 كلية و142 معهدا و12 جامعة حكومية و6 جامعات خاصة· (الرأي العام 4/3/2005) كما أن الاقتصاد المصري أخذ يتعافى وينطلق في مجالات كثيرة، يكفي أن نذكر أن عدد السياح في مصر في العام 2004 تجاوز الثمانية ملايين سائح، وهذا العدد مرشح للزيادة بفضل استتباب الأمن والقضاء على الإرهاب الأصولي·

مهما قيل فإن مبادرة الرئيس حسني مبارك فتحت الآفاق رحبة لتطور ديمقراطي سيجني كل العرب ثماره·

alyusefi@taleea.com

�����
   

مسلم سوبر!:
أحمد حسين
القضايا الساخنة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
بنك وولفويتز:
سعاد المعجل
وجهة نظر:
مسعود راشد العميري
تداعيات الديمقراطيات الشكلية:
محمد بو شهري
خاطرة وأمنية!!:
علي غلوم محمد
يحيا الدين.. يسقط العلم!:
فهد راشد المطيري
الجمهورية الخامسة:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
إعلان شبين الكوم:
د. محمد حسين اليوسفي
من يحاسبهم؟!:
عبدالله عيسى الموسوي
الشيعة جزء لا يتجزأ من..:
د. حسن الموسوي
ظاهرة التكفير في التاريخ الإسلامي:
صلاح الفضلي
الشيطان يدخل بالتفاصيل:
فيصل عبدالله عبدالنبي
مرحبا بالشفافية الكويتية:
عبدالحميد علي
أطباء الكويت:
عبدالخالق ملا جمعة
الإصلاح من الخارج:
المحامي نايف بدر العتيبي