تثار ملاحظات نقدية حادة عدة على أداء القطاع العام في جميع المجالات، وتتم في أحايين كثيرة مقارنة هذا القطاع مع أداء القطاع الخاص من ناحية الكفاءة والسرعة في الإنجاز وتميز الجودة!
لقد تعرض القطاع العام ومنذ نشأته الى نقد شديد من البعض وغير منصف مع الوقت، ومع تضخم قدرة القطاع الخاص لدينا في الكويت والتسهيلات التي يحصل عليها المتنفذون بين الحين والآخر والتي لا تتوافر للجميع، فإن القطاع العام ومع التطور التشريعي والقانوني أصبح معوقا وسدا للبعض وحاجزا لطموحاتهم السياسية ومنعهم من الاستمرار في الاحتكار والتوسع في الإثراء، وحد من بسط هيمنتهم على القرار، لذلك نلاحظ أنه غير مسموح بنقد تحالف القطاع الخاص في الصحافة إلا ما ندر جدا، وإن حدث مثل هذا النقد المعلن يكون في حقيقته تصفية حسابات، أو مواقف آنية فرضتها أحداث معينة تنتهي وتزول بزوال مسبباتها، أو يكون بإعلان، لأنه مدفوع الأجر كما حصل مع شكوى نقابة البنوك الأخيرة! بينما نقد القطاع العام بكل روافده واتهامه بأبشع التهم أمر يعتبر استراتيجيا لأصحاب "الياقات البيضاء" فالمستدرجون والمتغزلون بالقطاع الخاص يتوهمون أيما توهم حين يفتحون كل ما في جعبتهم من مدح وثناء لشركات ومؤسسات القطاع الخاص ويستطردون بالمطالبة بسحب كل الخدمات الحكومية المهمة وتحويلها للخصخصة (المنتقاة)·· إن هذه المطالبة عندما تأتي من أصحاب "الرساميل" الغزيرة واليد الطولى تكون مبررة لأن في ذلك مصلحتهم، إنما تأتي مثل هذه المطالبات من الناس العاديين، فهذا ذبح وخنق لجيوبهم ومجتمعهم من غير أن يشعروا· إن القطاع العام هو في حقيقته موروث نضال تاريخي اجتماعي وسياسي مارسته فعاليات الشعوب المتحضرة، قصدت من خلاله إبرام مبادئ عليا تحمي المواطن مما هو متوقع من استبداد من الأنظمة الحاكمة وتحالفاتها المستترة بها ومنعا من الاستفراد في الثروات، وأيضا للحد من "تغول" أي جناح من أجنحة إدارة الدولة على الآخر هادفة في الوقت ذاته الى بسط العدالة الاجتماعية وهو السبب المباشر الذي حدا بالمشرع الدستوري الكويتي أن يأخذ بمبدأ "الدولة الاجتماعية" عند تدوين مواد الدستور ليكون مقدمة لمبادئ عدة فعالة ومهمة·· فما الدول الاجتماعية؟! هي باختصار الدولة التي تستند في إعطاء الحاكم الصفة الأبوية لنظام الحكم العائلي، فتساوي المفروض بين الناس في العطاءات والمميزات التي توفرها الدولة أو تستحصلها من الطبيعة وغيرها، على أساس أنهم من أسرة واحدة، فيتفاعل الناس في المجتمع على هذا الأساس من الاحترام الأبوي والعائلي للأسرة الحاكمة في الكويت·· ومهما يكن من سلبيات تعيق تطوير أداء القطاع العام فعلى الناقد أن ينظر للأمور الإيجابية التي تنمو وتزدهر في هذا القطاع يوما بعد يوم، وإن الذي يطالب بنسف القطاع العام كليا حتى قطاعي التعليم والصحة فإنه يجني بذلك على الدولة الاجتماعية حين ينسف الدستور، ويحول كل إيرادات الدولة ومداخيل موظفيها الى مصلحتي الضرائب والتأمين والشركات المنتفعة التي اشتد عودها بعد أن استحوذت على مناقصات القطاع العام والتي تطالب بالتوسع في الخصخصة لأنها تعلم جيدا أن لا منافس يواجهها فتحتكر كل مقدرات الدولة الاجتماعية وتسلب حتى الواجهات الاجتماعية والسياسية من الجميع فيتحول المواطن الى سلعة والبيت الكويتي إلى مستودع للضرائب وتمتلئ الشوارع بالبطالين وقطاع الطرق! فاللهم سترك·
رشفة أخيرة:
أمر طبيعي أن يطالب الناس بإسقاط الديون عنهم لأنه في حال قامت الدولة بإعطاء بعض القيادات العربية وحكوماتها جزءا من الفائض المالي الذي لديها وتجاوبت مع الحلفاء في تخفيف الديون عن جرائم النظام البائد في العراق فمن البديهي أن تكون أمنا الكويت أكثر حنانا على أبنائها، ولا عيب في ذلك ولا ينهك ذلك الميزانية فيتحرك السوق من جديد بقروض جديدة ومن "كيسه رد عايدة"!
mullajuma@taleea.com |