أسس الباكر وثلة من أترابه دارا للصحافة إثر عودته الى البحرين في العام 1948، صدرت عنها "صوت البحرين"، وهي مجلة شهرية استمرت أربعة أعوام ونيف وكانت تطبع في بيروت، تناولت مختلف القضايا، ولم يقتصر تأثيرها على البحرين بل تعداها الى باقي مناطق الخليج العربي· ولعل إحدى أبرز نجاحاتها - كما يقول الباكر - هو مساهمتها الفاعلة في "تحرير العبيد في قطر·"!! كانت البحرين آنئذ تشهد توترا طائفيا بلغت ذروته في فتنة محرم 1953، وفي هذا الجو تحرك الباكر ونجح بفضل مهاراته الفردية ورصيده الوطني والنضالي أن يحقق إجماعا وطنيا ويؤسس حركة "هيئة الاتحاد الوطني" في العاشر من أكتوبر من العام 1954، التي تركزت مطالبها في تأسيس مجلس تشريعي وإصلاح للقضاء والسماح بتشكيل نقابة للعمال· ونجحت الهيئة في جمع تواقيع 25 ألف مواطن وهو عدد كبير بالنظر الى أن عدد إجمالي سكان البحرين كان ثمانين ألفا·
رفضت مطالب الهيئة فعمت المظاهرات الجماهيرية البحرين، ثم أعلن عن إضراب عام شل الحياة واستمر سبعة أيام· وهنا تجمعت المشكلة الخطيرة - كما يكتب الباكر - "كيف يمكن ضبط الجماهير الهائجة، كيف يمكن تأمين المواد الضرورية للسكان"؟؟ ولم تخل تلك الفترة من آراء متطرفة ومزايدات فارغة ستثبت الأيام أنها لم تكن على حق عن استعداد الجماهير للتضحية الى ما لا نهاية· وكانت تلك الأصوات غير المسؤولة تشكك بمواقف قيادة الهيئة وعدم تصعيدها خشية على مصالحها الطبقية!! وانتهى الإضراب بوعد بالحوار لم يأت بأي نتيجة، وفي غمرة هذه الأحداث قررت الهيئة تأسيس نقابة للعمال دون إذن من السلطات· ويجمل الباكر تلك المرحلة بقوله: "وكان العام 1955 الى أوائل 1956 حافلا بشتى أنواع الصراع القوي بين الشعب والحكومة"·
ونتيجة لمقتل تسعة مواطنين على أيدي رجال الأمن في التاسع من مارس 1956، أعلنت الهيئة الإضراب العام، جرت مفاوضات أثناءه للاعتراف بالهيئة كتنظيم سياسي علني، وهو ما حصل في الحادي والعشرين من الشهر نفسه، واشترط الإنجليز مغادرة الباكر البحرين· ومن بيروت اتجه الباكر الى القاهرة ومكث فيها قرابة الخمسة أشهر، وكان ذلك بعد إعلان تأميم قناة السويس· ثم عاد الى بيروت فسورية التي قام بها" بنشاط ملموس مع هاني الهندي والدكتور أحمد الخطيب، فكنا - يضيف الباكر - نجتمع كل ليلة مع حزب من الأحزاب السورية لنهيب بها أن تساند مصر"·
بعد إلحاح شديد عاد الباكر الى بلده البحرين واستقبل "استقبالا شعبيا لا مثيل له"، عاد ليجد أن حركته تمزقها الخلافات: بين قيادتها وقواعدها الشعبية تحديدا· لذا، وطن النفس على إجراء إصلاح في الحركة مما ولد حربا سافرة بينه وبين أعضاء الهيئة، ثم أخذ في الدخول في مفاوضات سرية مع الإنجليز والحكومة لحل الإشكالات القائمة "وكانت الحكومة تبدي استعدادها التام للتفاهم - يكتب الباكر - ولم أكن أعلم بأنها خطة مدبرة لاكتساب الوقت"!! وفيما كان الباكر يجري تلك المفاوضات بحسن نية وقع العدوان الثلاثي على مصر فتفجرت الأوضاع في كل منطقة الخليج العربي وأخذت شكلا عنيفا في البحرين منذ 29 أكتوبر 1956· ويقر الباكر أن حركة الهيئة كانت وراء المظاهرات والاجتماعات ولكنها لم تكن وراء الحرائق أبدا، وإنما من قام بها بعض المأجورين الذين انكشفوا فيما بعد·
تحركت القوات الإنجليزية في فجر يوم السادس من نوفمبر فاعتقلت عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان والحاج عبد علي العليوات، وكانت قد اعتقلت في الأيام الأولى للمظاهرات إبراهيم فخرو وأودعوا سجن "جدا" القريب من الساحل السعودي· كما طال الاعتقال جميع شباب الهيئة البارزين ووضعوا في معسكر خاص بالرميثة في المنامة· وعلى إثر تلك الاعتقالات جرى إضراب عام استمر واحدا وعشرين يوما· هكذا انتهت حركة هيئة الاتحاد الوطني دون أن تحقق أهدافها بتأسيس نظام ديمقراطي يسوده القانون، أما زعماؤها المعتقلون، فيحق للجيل الجديد من أبناء الخليج العربي أن يعرف مصيرهم خاصة أنهم أصبحوا في ذمة الله· وهذا ما سنخصص له حلقة إضافية·
alyusefi@taleea.com |