| ضمن اللقاءات التي أجرتها إحدى المحطات الفضائية مع الناجين من كارثة "التسونامي" التي أثكلت الشريط الساحلي الآسيوي·· لقاء مع أحد السياح الأجانب الذي أجاب عن سؤال حول تعليقه على الكارثة بقوله إن ما حدث جعله أكثر إدراكا لردة فعل الطبيعة تجاه التلاعب بخصوصيتها·
وبأن على البشر أن يعلموا جيدا أن العبث بمقومات البيئة سيؤدي حتما إلى غضب أمّنا الطبيعة وإلى ردود فعل عدوانية آخرها كان تسونامي الغضب الشرقي!!
حديث السائح ذكرني بالتجاوزات البيئية الخطيرة في منطقة الخليج·· وبردود الفعل - خاصة في الكويت - تجاه ما أثير من نقد ورفض لمشاريع مدمرة للبيئة مثل جسر الصبية، ومدينة الصبية، وميناء القيد في بوبيان والمشاريع التجارية التي ستزرع واجهة الخليج بالمجمعات التجارية والأسواق وغير ذلك من منافذ استهلاكية همها الأول جمع الأموال واستثمار حمى الاستهلاك لدى المواطن الكويتي ودون أي اعتبار لحساسية البيئة تجاه مثل هذه المشاريع المدمّرة!!
كارثة الشرق تؤكد أن ليس هنالك حدود جغرافية أوسياسية بإمكانها أن تقف في وجه امتداد غضب الطبيعة، وأن البشر جميعا سيدفعون فاتورة أي عبث بمقوماتها والدليل أن زلزال سومطرة الأخير·· أوقع قتلى في الصومال·· وخسائر وصلت حدودها إلى عمان!!
في العشرين عاما الأخيرة تحول الشريط الساحلي في الشرق الأقصى إلى منتجعات سياحية وفنادق ضخمة تطلبت معالجة بشرية بهدف استثمارها سياحيا، وقد أشار بعض المعلقين إلى تأثير تلك المعالجات البشرية على البىئة·· واحتمال أن تكون عمليات تأهيل الشريط الساحلي في شرق آسيا سياحيا مسؤولة عن استثارة مكامن التمرد الطبيعي من فوالق كامنة في قلب المحيط الهادىء!!
وهذا الوضع يذكرنا بالوضع القائم حاليا في الشريط الساحلي الخليجي·· وحيث طغت الطموحات الاستثمارية على كل الأصوات المحذرة من مخاطر استنزاف الخليج العربي واستثارة مكامن الثورة والتمرد الكامن في داخله!!
علميا·· تحيط بالخليج العربي مجموعة من الفوالق التي تمتد إلى جبال زاغروس في إيران وهذا ليس بسر وإنما سبق أن استعرضه جيولوجيون سواء في الكويت أو غيرها·· وإذا كانت هذه الفوالق كامنة وهادئة، فإن التسابق على دفن مساحات شاسعة من الخليج العربي بهدف إقامة مشاريع استثمارية وسياحية وقرى سكنية فخمة وغير ذلك من هوس استثماري آخذ في التمدد على سائر رقعة الشريط الساحلي الخليجي سيؤدي حتما إلى استثارة تلك المخاطر الكامنة!! والسبب بسيط ولا يحتاج إلى خلفية علمية أو جيولوجية لفهمه، فعمليات الدفن واستخدام الكونكريت والحديد لإقامة تلك المشاريع سيؤدي حتما إلى ضغط على التوزيع المائي، وسيغير في التوازن المائي مما يشكل ضغطا قد يسبب كوارث لا تقل عن كارثة الشرق الأقصى!!
إن البىئة وحدة متكاملة·· وتداعيات العبث بمقوماتها أو انتهاكها لن تطال العابثين بها وحدهم وإنما سيمتد التأثير إلى الجميع، بل حتى المسالمين والمحايدين منهم، وكارثة الشرق الأخير تقف شاهدا على ذلك حيث تأثر محور الأرض بفعل هزة سومطرة، ونقص اليوم البشري بمقدار ربع ثانية، وهو أمر لا يخص أصحاب المشاريع السياحية والفنادق الفخمة والمنتجعات الترفيهية في شرق آسيا الذين عبثوا بالبيئة وحسب، وإنما يشملنا نحن في الكويت كما يشمل ذلك الأثر كل إنسان يعيش على هذه الأرض وينتمي إلى أمة البشر·
حجة التنمية، والتطوير والتي غالبا ما يلجأ إليها المنتهكون لحقوق البيئة علينا·· هي قطعا ليست حجة منطقية على الإطلاق!! فالعالم من حولنا زاخر بمشاريع تنموية تضع في حساباتها الصحة البيئىة ونحن هنا في الكويت أو في دول الخليج بشكل أوسع قد أسرفنا ولا شك في تجاهل التكاليف البىئية في الكثير من مشاريعنا وهو أمر يتطلب تدخلا ومعالجة سريعة قبل أن نضطر لدفع تكاليف باهظة!!
بعد زلزال الشرق·· لم تعد الثقافة البىئية مجرد حماية لمجموعة "شرايب" أو قباقب أو آثار تاريخية متواضعة، وإنما هي ضرورة لحماية الإنسان من تهور أخيه الإنسان وطمعه وطموحه غير المدروس واللامسؤول·
suad.m@taleea.com |
