وحدها هي القيادات والحكومات العربية التي تتحرك الآن على الساحة السياسية للملمة الدور وتدارك فضيحة فشل انعقاد القمة والتحضير للقمة المؤجلة لمواجهة الضغوط والاستحقاقات التي تنتظرها على أجندة قمة الثماني، أيا يكن حجمها، أما المشاركة الشعبية من القوى السياسية مصيرية تهم الحكومات والشعوب والأوطان معا، مغيبة من حكوماتها وغائبة هي نفسها عن فرض وجودها على الساحتين العربية والدولية، ما عدا استثناءات محدودة حصلت في مصر سنشير لها لاحقا، وهذا الغياب له أسبابه الذاتية أبرزها الإحباط واللامبالاة والإهمال كما له بالطبع أسبابه الموضوعية·

ثمة ثلاثة أحداث سياسية عربية وإسرائيلية مختلفة وقعت غداة الإعلان عن تأجيل القمة ينطوي كل منها على دلالات بليغة فيما يتصل بأزمة الإصلاح العربي ومجمل مآزق المرحلة التاريخية الحضارية الراهنة التي يحياها العرب، كما تنطوي على مغزى عميق فيما يتعلق بفقدان الأمل في مجيء الإصلاح في مقابل عزيمة أخرى بالإصرار عليه لدى قوى محدودة·

الحدث الأول: وهو يتعلق بتزايد الضغوط الداخلية على رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون للتحقيق معه في فضائح فساد سياسية ومالية - تجارية والمطالبة بمثوله أمام القضاء، ومع أن فضائح الفساد هذه لا تقارن البتة بحجم الفضائح المتورط فيها الكثير من القيادات العربية، لكن تمعن معي في مغزى هذه المسألة جيدا - التحقيق في فساد شارون - التي تعد مصدرا من المصادر التي تستمد منها الدولة العبرية قوتها السياسية واحترامها أمام العالم لطالما وظفته في دعايتها الخارجية كدولة ديمقراطية لديها تداول على السلطة السياسية واستقلال القضاء واحترام سلطته وعدم حصانة أي مسؤول من المساءلة أو المحاكمة مهما كبر هذا المسؤول في مقابل تغييب هذا الدور للسلطة القضائية أو التشريعية في الدول العربية والتي لا تستطيع مقاضاة حتى مدير فاسد إلا في أضيق الحدود فما بالك بالوزير أو الرئيس أيا يكن مسمى مركزه في رئاسة الدولة·

وبالتالي فهل قوة الدولة الإسرائيلية إذن وتفوقها علينا ينحصران في المجال العسكري والدعم الأمريكي اللا محدود فقط؟ أو كما قال البعض لتبرير تغييب الإصلاح والديمقراطية لغياب "التوازن الاستراتيجي" معها؟!

الحدث الثاني: يتمثل في مبادرة مجموعة من رموز المجتمع السياسي والمدني في مصر بعقد مؤتمر صحافي غداة تأجيل القمة طالبوا فيه قيادة بلادهم السياسية وسائر القيادات السياسية العربية بألا تتهرب القمة المقبلة من المعالجة الجادة للإصلاح السياسي العربي وألا ينحصر الجهد الحالي في مسألة متى وأين تعقد القمة، بل يجب إشراك المجتمع المدني العربي في الحوار والتحضيرات لها وإشراك وفود تمثل هذا المجتمع بصفة مراقب في أعمال القمة المنتظرة، باعتبار أن قضية الإصلاح ليست شأنا يخص الحكومات بل هي في المقام الأول تخص الشعوب، وبالتالي هو جدير بسائر قوى المجتمع المدني في مصر والبلاد عامة اتخاذ مثل هذا الموقف أو تعزيزه·

الحدث الثالث: وهوحدث عميق لا يخص مصر وحدها بل العالم العربي في دلالاته على عجز الحكومات والقوى السياسية معا عن فرض أو تحقيق التغيير والإصلاح المنشود، ويتمثل في موقف النائب المصري المستقل محمد فريد حسانين الذي بعد أن استقال من الحزب العربي الديمقراطي الناصري احتجاجا - حسب رأيه - على عجزه عن لعب دور في التعبير عن هموم الناس والضغط لإحداث الإصلاح سرعان ما بادر بالاستقالة من البرلمان قائلا:

"تلوت كتاب استقالتي في قاعة مجلس الشعب يأساً من إصلاح لا يجيء ولأن الأحزاب السياسية التي تنقلت بينها لا تحقق أي إنجاز"·

إن التطوع بالاستقالة من البرلمان رغم كل ما يوفره من حصانة وامتيازات ليس أمرا سهلا لولا أن النائب المستقيل صادق في فورة مشاعره الإحباطية أيا يكن موقفنا منها وهي تعكس كما ذكرنا عمق الأزمة التي تعاني منها الأنظمة والأحزاب على السواء في عالمنا العربي مثلما تعكس عمق الإحباط العربي من "الإصلاح الذي لا يجيء" حسب تعبيره!

ü كاتب بحريني