| في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في الخامس عشر من يناير الكويت حليفا استراتيجيا لواشنطن، بدأت دولة الكويت في التعامل مع اللقب الجديد حيث حضر وزير الدفاع جابر المبارك ونائب رئيس مجلس الوزراء محمد الصباح الحفل الذي أقيم في البنتاغون بمناسبة إعلان الكويت حليفا رئيسيا خارج الناتو، والذي أعلن فيه وزير الدفاع أن هذا الاختيار يعكس روابط العلاقات المتينة بين البلدين الصديقين والتي تأسست على ثوابت واضحة وانطلقت من الاحترام المتبادل والإيمان بالحرية والعدالة والديمقراطية!! كما عقد وزير الخارجية الدكتور محمد الصباح محادثات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية تتعلق بمستقبل العلاقات الثنائية بعد تسمية الكويت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة بالإضافة إلى محادثات تناولت الوضع في العراق والأوضاع الأمنية في المنطقة وعملية السلام في الشرق الأوسط!!
ووسط هذه الاحتفالات يبرز السؤال الأهم والمتعلق بأبعاد وانعكاسات مثل هذا الإعلان على الكويت دولة ونظاما وسياسة؟! خاصة في ظل التباين الواضح بين الرؤية الأمريكية من جهة والعربية من جهة أخرى لما يتعلق بتداعيات الأحداث في العراق والأراضي المحتلة!! وهل سيفرض دخول الكويت ساحة التحالفات مع الولايات المتحدة تبدلا أو تحولا في الثوابت الكويتية المتعلقة بقضايا المنطقة بشكل عام ؟؟! وما المطلوب من الكويت على ضوء التحالف الاستراتيجي الجديد؟!
تقدم قواميس السياسة تعريفات وأمثلة عدة للتحالفات·· أشهرها على الإطلاق تحالف بريطانيا وفرنسا ضد ألمانيا في العام 1939 إثر محاولة "هتلر" ضم بعض أراضي "بولندا"·· كذلك قامت اليابان بالتحاف مع ألمانيا وضرب القاعدة البحرية الأمريكية في "بيرل هاربور" كما أعلن الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم اعتداء مع "هتلر"!! وقد أدى تعاون الحلفاء ووحدتهم في وجه ألمانيا والمحور إلى تحقيق النصر ورسم خارطة العالم الجديد في سلسلة مؤتمرات واتفاقيات أهمها اتفاقية "يالطا"·
هنالك إذا تحالفات سياسية وأخرى عسكرية، فالحلف السياسي هو عمل تحالفي بين دول أو أحزاب أو أشخاص سياسيين يتعاقدون فيما بينهم على تنفيذ التزام مُعين يتفقون عليه لتحقيق أهداف محددة، وغالبا ما يقتصر استعمال القانون الدولي لكلمة "حلف" للدلالة على اتفاق يجمع دولا عدة تحقيقا لمصلحة مشتركة!! أما الحلف العسكري فهو عبارة عن معاهدات عسكرية دولية تبرم بين دولتين أو أكثر لخلق منظمات تنسق التعاون والتعاضد في المجال الدفاعي أو تنظم الدفاع والهجوم معا في حالة الاعتداء·
وقد أعطت التحالفات العسكرية القوى الأوروبية إحساسا بالأمن قبل الحرب العالمية الأولى·· وكان كل قطر يسعى إلى عدم تشجيع أعدائه بالهجوم عليه بالدخول في اتفاقيات عسكرية مع بلد أو بلدان أخرى، فمثل هذه الاتفاقيات تضمن مساعدة أعضاء التحالف لهذا القطر لكن هذا النظام خلق أخطارا معينة، إذ إن اندلاع الحرب يضطر أعضاء التحالف الأخرى إلى الدخول في الحرب!!
لم أجد وبكل أسف تعريفا محدداً "للحليف الاستراتيجي" في القاموس السياسي، ولا أتصور بأن هنالك تعريفا محددا ودقيقا للتحالف الاستراتيجي·· لذا فإن غبطة بعض الكتاب وابتهاجهم بإعلان الكويت حليفا استراتيجيا لواشنطن يبدو لي أمرا مبالغا فيه يحمل رؤية متعجلة لما قد يحمله مثل هذا الإعلان للكويت خاصة في ظل التأزم الخطير للوضع في العراق·· وفي الأراضي المحتلة!!
من المؤسف أن البعض يرى في مثل هذا الإعلام مؤشرا على تدوير في الأدوار السياسية لدول المنطقة·· يعطي الكويت ثقلا أكبر ويؤهلها لأن تكون الدولة الراعية للقرار السياسي في المنطقة·· ويرشحها لتكون البديل للمملكة العربية السعودية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق فالسعودية احتلت ما احتلت من موقع فوق الخارطة العربية بسبب مبادراتها وتواجدها في قلب الشأن العربي وليس بسبب تحالفاتها مع الولايات المتحدة، وهو بالتحديد ما نخشى على الكويت أن تفقده مع دخولها التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، أي أن تفقد ما تبقى من جو التواصل مع عالمها العربي·· وأن تزداد انفلاقا على انفلاقها لأكثر من أربعة عشر عاما كردة فعل على جريمة النظام العراقي البائد!!
لقد أرست الكويت كدولة ونظام ثوابت أهلتها وإلى ما قبل مرحلة الغزو لأن تكون اللاعبة الأكثر نشاطا وعطاء في الملعب السياسي العربي بقضاياه وشؤونه وشجونه، وكلنا أمل ألا يُباعد التحالف الاستراتيجي الجديد بيننا وبين تلك الثوابت خاصة في ظل الغليان السائد في المنطقة والذي عبث بكل أوراق اللعب واللاعبين!!·
suad.m@taleea.com |
