التطور الثقافي للمجتمعات، من حيث اللغات الى الرموز والإشارات، وكذلك الأديان والعادات والتقاليد، حدث عن طريق تداول وتناقل الثقافات من جيل الى جيل تلو الآخر·
كم هو جميل عندما يبحث المرء منا عن الثقافة، والأجمل عندما يستثمر الواحد منا جل وقته، من أجل الحصول على أحدث أنواع الثقافات، ففي عصر الحداثة وثورة المعلومات، باتت الثقافة ففي متناول الجميع، وأضحت المعلومة، تؤخذ وتنقل عبر الكثير من المصادر المختلفة، لا شك أن هنالك الكثيرين الذين أخذوا على عاتقهم، الذهاب الى الغرب، من أجل الثقافة والتحصيل العلمي، وبعد مكوثهم هناك ولسنوات عدة، ظفروا بالشهادات والمسميات من العيار الثقيل، بيد أن هناك، ثلة من بين هؤلاء، لم يسعفهم أو ينفعهم التعليم والتعلم في غربة الغرب، ولم يكتسبوا الحد الأدنى من ديمقراطيتهم، والشاهد على ذلك، تقيدهم وتقديسهم للأشخاص، حتى أضحوا من الأتباع والأذناب، تارة عن جهل مركب، وتارة أخرى من أجل حطام الدنيا الفانية، عادة هذه الصورة السيئة، يتصف بها البسطاء والرعاع من العوام، وليس الذين يفترض أن نعول عليهم في الدفاع والذود عن هموم وقضايا الأمة·
البعض يتوهم أو يصور، أن الثقافة شراب يسقى من الكؤوس الفاخرة، أو طبخة يتم طهيها في الأتون، المثقف الصادق والحر، بطبيعته متمرد على الطغاة والمستبدين، ولا يخشى في الله لومة لائم·
ثمة من يمكنه أن ينظر أو حتى يتفلسف بثقافته، ولكن يصعب عليه كثيرا أن يقود دابة في وسط الطريق، المثقف الذي لا يتوج ثقافته بالإحساس والضمير والموقف الصريح، يبقى لا أثر لسعيه، المثقف الراقي والرفيع، يختلف تماما عن المثقــف الرخيص، فكم من هؤلاء تلاشوا وانتهوا مع السراب البعيد·
المثقف الحقيقي والصادق، إذا لم تكن لديه الجرأة والشفافية للتصدي لقضايا الوطن المصيرية، وكذلك القضايا الإقليمية بكل تداعياتها، ترى ما قيمة ثقافته وقلمه؟!
وحتى لا أطيل أقول: نبي الله يوسف عليه السلام حينما تآمر عليه إخوته وهم من الأسباط، من خلال إنزاله في غيابة الجب، ولفترة من الزمن، كان مجبرا ومرغما على ذلك، بيد أن (مثقفي) هذا الزمن يرغبون وبملء إرادتهم الإقامة في غيابة الجب والى أمد بعيد؟!
mhbushehri@yahoo.com |