رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 28 رمضان-11 شوال 1410هـ - 5-18يناير2000
العدد 1410

الدين ضد الدين
عادل رضـا

إن وجود بناء فكري مبادئي متكامل وشامل عند تلقينه وتدريسه للفرد يكون حجر الزاوية والأساس في عمله وآلية اتخاذه للمواقف وفي طريقة تعامله مع الأحداث المستجدة على المجتمع بكل أنواعها شيء مطلوب وضرورة لكل إنسان يتحرك ويشارك في الحياة·

إذن نحن بحاجة الى أيديولوجية نستطيع معها تقليل وتقليص المسافة بين المفكرين والمنظرين والعامة من الناس ونستطيع أن نلخص ذلك بالقول إننا نريد تحقيق الاستقطاب·

ونحن إذا كنا نتفق حول ضرورة صنع وصناعة هذه الأيديولوجية وجب علينا أن نبحث ونقرر عن ماهيتها وأساسها والمنطلق لبنائها·

باعتقادي، نحن نريد خلق وصناعة حركة جماهيرية شعبية عريضة، متفاعلة ومتواصلة حول هدف سام رفيع ونبيل المطلوب الوصول إليه والسعي والاتجاه بطريقه، إذن علينا أن نفكر ونضع في حسابنا وأذهاننا أننا نصبو ونرغب ونريد الكل وليس الجزء·

نعم عندما نقول حركة شعبية، لسنا نقصد جزءا من طبقة، فئة أو تجمع معين، بل نقصد ونهدف الى الجموع ككل·

إذن نحن هنا اشترطنا شيئين اثنين: الأول هو أيديولوجية وفكر استقطابي جاذب وشامل وكامل، والثاني هو استهداف المجموع بالشرط الأول وهو الأيديولوجية·

ودعونا هنا نبدأ بالشرط الأول·

الشرط الأول: الأيديولوجية التي نريد

طرحنا فيما سبق تساؤلات حول ضرورة الأيديولوجية المرغوبة وماهيتها وأساسها والمنطلق لبنائها، فلنبدأ هنا بالأساس الذي ننطلق منه للبناء·

إن العالم الإنساني كل ما فيه من فكر ومبدأ ينطلق من ثلاثة منطلقات: الإلهي والإنساني والخليط بين الاثنين الإلهي والإنساني بمعنى الفكر الإنساني المستخرج والنابع من الفكر الإلهي·

أمثلة على الفكر الإنساني

إن الفكر الإنساني هو المبادئ والأفكار مما صنعه عقل الفرد وتفكيره على مر الزمان، بناء وتأسيسا على ما واجهه وصادفه في مساراته التاريخية والاجتماعية والاقتصادية·· الخ، فهي ما فهمه من أشياء وأمور تجعله يعيش بشكل أفضل وأحسن، وهو ما توصل إليه بعد تجارب مع ما يحيط به·

إذن الفرد في زمان ما في الماضي، الحاضر أو المستقبل صادفته وواجهته مشكلة ومعضلة ما، فأصبح وجود حل رغبة وغاية لديه، فتكونت وتبلورت لديه فكرة، طبقها ونفذها، إذا فشلت ألغاها من عقله، وإن نجحت ثبتها وأصبحت لديه كقاعدة للتعامل مع المشكل والمعضل المشابه، بل يمكننا أن نضيف ونزيد أن كيفية وآلية إيجاده وعثوره على هذا الحل، وأيضا الحل نفسه، يصبحان لديه قاعدة في التفكير وثوابت مبادئية يتعلم ويتكيف بواسطتها مع واقعه ومحيطه الذي يعيش فيه·

مثلما حدث في أوروبا عندما تطورت الآلة فزاد الإنتاج وأصبح من يملك الآلة يسيطر على الإنتاج ومن ثم بطريقة تلقائية على الربح وأصبح هناك من يحتاج الى الآلة والى من يسيطر عليها للمعيشة، فأصبح هناك طبقة للعمال تسيطر عليها البرجوازية مالكة الآلة والحاصلة على الربح، مع فروق واختلافات عميقة وشاسعة بين الطبقتين، ترتب عليه حصول ظلم كبير على الطبقة العاملة الكادحة وانعدام للمساواة فظيع، أدى الى زرع البذرة للتفكير في حل المشكل الموجود وجاء هذا التفكير على أساس من قاعدة من الواقع نظرت على أن حل المشكل هو بتدمير من يسيطر على الآلة والربحية وهم البرجوازيون، وانتقال السيطرة والتحكم الى العمال الكادحين على الآلة والربحية ومن ثم يتم حل المشكل وهذا ما شكل أساس الفكر الاشتراكي·

إذن الواقع في هذه الحالة من تاريخ البشرية كان هو قاعدة التفكير والماركسية كانت هذه الفكرة·

وفي فترة مقاربة من تاريخ البشرية في أوروبا كانت الجماهير والشعوب تسعى وتريد الفكاك والخلاص من سيطرة الاقطاع والاقطاعيين والنبلاء على مقدراتهم ومصيرهم، فكان أنت عاونت البرجوازية مع الجماهير لإسقاط الطبقة الارستقراطية الاقطاعية المسيطرة·

فكان هنا المشكل هو التسلط الاقطاعي بالتعاون مع الكنيسة وهي ما يمثل الدين في أوروبا فكان الوضع أنه باسم الدين والرب يكون التسلط والظلم على المظلومين والمحرومين في الطبقات الدنيا، فكان أن وجدت وخرجت فكرة العلمانية أو علمنة المجتمع والدولة، وتنص وتقول بفصل الدين عن المجتمع والدولة، أي برفع الارتباط الذي خلق وصنع المشكل، إذن برفع القدسية والتبرير الإلهي المزعوم لظلم الاقطاع وتسلطه حلت المشكلة الموجودة، وكان التعاون المصلحي المشترك، حيث التقت وتلاقت مصالح البرجوازية مالكة رأس المال والآلة مع مصلحة الكادحين والعمال في إلغاء الاقطاع، فكانت أن بذرت بذور الدولة الحديثة في أوروبا وتبعاتها·

ما سبق كان أمثلة على نتاج الفكر البشري والأمثلة التي ذكرنانا وقلناها هي الماركسية والعلمانية وهي مثال على ما حدث في الغرب من تطورات فكرية إنسانية مهمة، ساهمت وأسهمت في نهضة ورقي أوروبا·

إن انشغال هذه الأيديولوجيات من الغرب الى الشرق، بالتخطيط المتعمد أو بالتأثير الطبيعي قد أدت الى إحداث مفعولها وتأثيرها على الواقع الشرقي من فرد ومجتمع ودولة·

التأثير المتبادل بين عالمين

إن الأفكار الإنسانية كما أسلفنا وقدمنا، كانت لحل مشكل ضمن واقع معاش في فترة زمنية معينة، وقد أدت وعملت أثرها الإيجابي والسلبي معا في مجريات الأمور وواقع الحال، فالماركسية الاشتراكية التي اكتشفنا فشلها العملي الذريع وشبه التام بانهيار الدول والمنظومات التحالفية التي حاولت تطبيقها وتنفيذها، وليس الأمر يقتصر على فشل التطبيق والتنفيذ وحسب، فعندما وصل الى مراكز القرار والسلطة من آمن واعتقد بالماركسية كأيديولوجية مخلصة ومنهية لمشاكل الإنسانية وكقاعدة للتفكير، اكتشف عجز النظرية الأولى واكتشف أنها غير منطبقة مع واقع الحال، فأخذ يغير فيها ويبدل ويعيد بناء المصطلحات والانطلاقات التطبيقية مرات ومرات حتى تبدلت النظرية الأولى بنظريات أخرى لا تشترك مع الأولى إلا بالتسمية والاسم، وهذا التغيير والتبديل الذي بدأ منذ البداية لم يؤد الى شيء من النجاح اللهم إلا الانهيار الكبير والعظيم والتآكل الفظيع الذي حصل وجرى لمنظومة الدول الاشتراكية· فاختصارا ما آلت وانتهت إليه الاشتراكية نظريا وعمليا وتاريخيا هو الفشل والموت والنهاية حيث لا يجدي الآن ولا توجد فائدة من النقاش حولها وعنها لأنها بكل بساطة فشلت من هنا وهناك وفي كل مكان بل إنها ملغاة من الذين ظلوا السنين الطوال يحملون شعارها، واكتشفوا عجزهم عن التطبيق، فما هي فائدة الشعار المرفوع في ظل عجز وجمود الفكرة عن التنفيذ؟·

وهذه الماركسية انتقلت الى الشرق العريق فماذا حدث وماذا جرى عندنا نحن من في الشرق··؟ جاء أحدهم وهو الشرقي المتغرب بالماركسية يتكلم ويقول هو يريد زراعة شيء في غير أرضه كمن يريد زراعة أشجار الموز في الصحراء الصفراء، تناسى ونسي شرقينا المتغرب أن وجود الماركسية كان لمشكل في أوروبا والغرب، وهو كما قلنا وذكرنا: سيطرة البرجوازية على رأس المال والآلة واستغلالهما بذلك للطبقة العاملة الكادحة·· الخ، فبكل بساطة ووضوح أين هو هذا المشكل في شرقنا، هل هناك آلة أصلا وعمال؟!· إن الاثنين مفقودان وغير موجودين فكيف هداه التفكير الى تطبيق وتنفيذ حل على مشكل غير موجود أساسا؟!!

وأيضا يا ليت شرقينا المتغرب هذا اكتفى بذلك وسكت، بل أخذ يردد كالبغباء وكآلة التسجيل مصطلحات غريبة وعجيبة على فلاح بسيط أو بدوي راع بعجرفة وتعال على الآخرين وبغرور ما بعده غرور، هو "شرقينا المتغرب" يضع نفسه في برج عاجي وعال ويقول: أنا من يفكر لكم ويضع لكم الحلول تعالوا اتبعوني، لا يهم أن تفهموني فأنت راع وهذا فلاح، وهو يصرخ بهما لماذا لا تفهمون؟ لماذا لا تتبعوني؟ تعالوا كوني نفسي متغربين تعالوا واصعدوا معي في البرج·

وما أعظمه من رد فطري تلقائي يرد فيه هذا الفلاح وذلك البدوي عليه، حين يقولون: ما بال هذا الإنسان كان في الأمس القريب منا وكان مثلنا ذهبا وعاد مسخا لانعرفه ولا نفهمه يطالبنا بحل مشكل غير موجود بشكل غير مفهوم تعال يا صاحبي - يقول الفلاح للراعي أو العكس - دعنا نتركه فليس هذا من عرفناه وكان معنا·

ويا ليت شرقينا المتغرب يفهم ويعي ويدرك، ولكنه يغلق ويقفل عليه باب برجه العاجي ويبدأ الإعادة وتكرار ما هو مكرر وهو في برجه العاجي لا يرى الأرض ولا يريد ولا يرغب بالترول·

والعملانية التي أحدثت النهضة في الغرب يأتي ويجيء بها شرقي متغرب آخر الى الشرق وها هو يخاطب صاحبه في البرج العاجي ويقول له انتظر وسترى ماذا ستفعل العلمنة مالنا وماركسيتك، ويأتي هو ويقف أمام صديقينا الراعي والفلاح ويتكلم ويقول: حسنا فعلتم إذ لم تسمعوا صاحبي الماركسي، دعوكم منه فها آنا ذا اسمعوني: إن أساس تحقيق وضمان حدوث التطور والنهضة هنا في الشرق كما في أوروبا والغرب هو أن تتركا وتلفظا هذا الدين كما تركوا ولفظوا هم ذلك الدين، وقبل أن نسمع شرقينا المتغرب الثاني يكمل كلامه وأقواله نجده يركض تسبق رجلاه الريح، فها هما يطردانه ويلاحقانه، بل إنهما يريدان قتله·

إن هذا الذي يقوله ذلك المتغرب يتجاهل حقيقة أن ما يجعل الشرق شرقا هو هذا الدين· نعم صحيح أن الغرب نهض وتطور وانتعش بعد مئات السنين من الظلام والتخلف الشديدين بعد العلمنة، وصحيح أن العلمنة هناك فجرت الثورة العلمية، وصحيح أن تطور الأمم والشعوب هناك الى دول قطرية والى قوى رأسمالية ومن ثم استعمارية جاء بفضل العلمنة التي من غيرها وبدونها كل ذلك لم يكن ليحصل في أوروبا بعد الظلام الدامس للقرون الوسطى، ولكن واقع الأمور في أوروبا يختلف عن واقع الأمور في الشرق، إن ما حصل ونشر الظلام والاستبداد والتخلف في أوروبا كان الدين، لذلك كان استبعاده وإلغاءه وإقصاءه من الحياة والمجتمع والدولة، نهض وارتقى بهم وطورهم، وفي الوقت نفسه واقع الأمور في الشرق يختلف، فما وضع العصا في العجلة في الغرب، هو ما يحرك ويدفع العجلة في الشرق، إن من يطور وينهض ويرتقي بالشرق ضمن واقع الأمور وضمن طبيعة هذا الدين وضمن فطرة شعوب المنضوية تحت راية هذا الدين هو نفسه هذا الدين، فالعلمنة هنا مدمرة وقاتلة وموقفة لحركة المجتمع والدولة نحو التطور والرقي وهي هناك صانعة ومطورة ومحركة·

إذن هذا الدين يختلف عن ذلك الدين، ما هو دين في الغرب يختلف عن ما هو دين في الشرق، وهذا الفلاح والراعي لديهما القناعة القلبية الفطرية بذلك وأي محاولة لتغيير واستبدال ذلك مستحيلة الى حد كبير لأن الناس في الشرق لن يتركوا دينهم كما تركه الغربيون وأبسط دليل تلك الأرجل التي تسابق الريح·

يصرخ الشرقي المتغرب الثاني ما لكم لا تفهمون ولا تعون ما أقول، ولكن جريه وكلامه يؤديان به الى نفس البرج العاجي لصاحبنا الشرقي الماركسي المتغرب وهو يطرق الباب عليه ويدخل يجلس معه يتناقشان ويتكلمان لا يسمعهما إلا نفساهما، ومن أراد ورغب في دخول البرج معهما لا ولا يشاهد الأرض ولا تراه هي أيضا·

�����
   
�������   ������ �����
"التفكير الخالق للمعرفة"
"فلنكشف المؤامرة"
أين الألم؟!
قدسية مزيفة
الحضارة الحقيقية والمزيفة
الحقيقة والمنطق
من يريد تحطيم التمثال؟!
نهضة الشرق والذات الحقيقية
الجسر
وضع البذرة في زمن الخوف
الأيديولوجية والثقافة والمتحدث
صناعة النجاح
الخوف والمصلحة
الدين ضد الدين
الخلل الروحي.. العلاج والتساؤل الآخر
صفات القيادة
الخداع... ودور المثقف المطلوب
"المرأة الشرقية بين.. لا.. و.. نعم"
القشرة واللب... والهمس في الآذان
  Next Page

الأسرى والمبادرات العربية:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
العيدية:
د.مصطفى عباس معرفي
هواة التسول:
يحيى الربيعان
عام جديد:
عامر ذياب التميمي
الآلاف السبعة:
أ.د. إسماعيل صبري عبدالله
رمضان المسلم.. وكريسماس المسيحي:
سعاد المعجل
الدين ضد الدين:
عادل رضـا
العراق بين يديك
العراق والعرب والألفية الثالثة:
حميد المالكي
النقلة الألفية:
فوزية أبل