رهبة من صنف فريد، وغريب في الوقت نفسه، نستطيع أن نضعها في خانة الخوف من المواجهة، ورهبة الخوف من ما قد يحصل·
إن هذه الرهبة وهذا الخوف يتعلق بإبداء الآراء والأفكار الى الناس، وفي حقيقة الأمر أنا شخصيا أشاهد الكثير من الأفراد ممن تربطني بهم علاقات الصداقة والعمل، وأكبر فيهم الفكر المتجدد والتحليلات الصائبة، والرؤية المستقبلية لما يجب أن يكون عليه الحال·
إن المشكلة تكمن في أن الفكر والتحليل والرؤية التي في حوزتهم يطلعون عليها صديقا أو ممن تربطهم به معرفة وطيدة، أي أن هناك محدودية في النشر والتعميم، الى مستوى شخصي فريد محدود للغاية، مع أن أشياء من هذا القبيل مطلوب إيصالها وتوصيلها الى العامة والأغلبية من الناس، لأن هذه الموضوعات تختص بحاضرهم ومستقبلهم·
ولكن المعضلة توجد في أن هناك خوفا من المواجهة للناس بهذه الآراء، هناك رهبة من وجود حالة من الرفض الشعبي لكل ما هو جديد ومستحدث، هناك حالة من الهلع لدى من يفكر، من طوق من العزلة والحجر المجتمعي عليه، يفرضه عليه الناس، إذا لم يعجبهم حديث وكلام من يفكر بصوت عال مسموع يصل الى آذان الجميع قدر المستطاع·
أنا شخصيا، أظن أن خوفا وهلعا من هذا النوع غير مبرر، وغير مقنع، لأن قدر من يفكر للعامة، على مر الزمان، هو حدوث حالة من ردة الفعل، التي قد تكون مؤقتة وتختفي، وتتحول الى تأييد ومساندة وتبني من الأفراد الذين رفضوا منذ البداية·
من ناحية أخرى، قد تستمر هذه الحالة من ردة الفعل الرافضة وغير القابلة لما يقال، طوال فترة حياة ذلك الذي فكر، بل هي قد تستمر وتتواصل لأجيال وأجيال··
ولكن ستأتي نقطة حتمية يتوقف عندها الذين رفضوا عن الرفض ويعون ويفهمون طبيعة الذي قيل لهم منذ أجيال ويعرفون أن ذلك الذي كان يفكر في الماضي سبق زمانه بأجيال وأجيال، وهنا يكون القبول والموافقة، وبهما يكون ذلك المجتمع قد خطا خطوة الى الأمام، وإن كانت متأخرة، ولكن وجودها أفضل من عدمها، والقيام بها أحسن من التعصب لموقف قديم خاطئ·
إن هذه الموافقة الأخيرة، التي حصلت وإن كانت مبتدأة بالرفض، ولكن الكلام والحديث العلني للعامة بدل الخاصة، أحدث شيئا·
هذا الشيء هو أن ذلك الخطاب المرفوض في البداية كان كالبذرة المقذوفة الى التراب، وكانت تحتاج فقط الى زمن تتوافر فيه الظروف والمعطيات المناسبة لكي تستطيع تلك البذرة المقذوفة أن تنمو وتترعرع وتكبر، لتصبح شجرة راسخة وعميقة الجذور في الأرض، لا تقدر أي ريح وأي عاصفة أن تقتلعها وتزيلها من جذورها·
وهذا الزمن الذي احتجناه لنخطو تلك الخطوة الى الأمام، قد يكون أننا كنا بحاجة إليه، لتصبح عندنا مثل تلك الجذور الضاربة في الأعماق والممتدة في باطن الأرض· |