رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 ديسمبر 2006
العدد 1754

الطفل.. الصورة.. والمناسبة
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

كان طفلا من أطفال تلك المرحلة التي يسميها ذهبية· لم تكوِّن شخصيته وتخالط خيالاتِه حكاياتُ "هاري بوتر" ولا مغامرات الأبطال الخوارق أمثال "سوبرمان" و"باتمان" و"سبايدر مان"· ولم تستنزف وقته ألعاب الـ"جيم بوي" ولا الـ"نينتندو" ولا الـ"بلاي ستيشن" التي لم يعرف أيًّا من أجيالها·

أقصى ما تأثر به خلال مرحلة طفولته الأولى لم يتعد حكايات الجدات في ليالي الصيف المقمرة· تلك التي لم تكلّ الجدات الطيبات من روايتها، ولم يملّ هو وأقرانه من استعادتها منهن كلما أزِفَ موعد النوم وداعب النعاس عيونهم·

هو لا ينكر أن طهارة تلك الأيام مازالت تشكل حائط الصد الأول لغارات الزمن التي توالت على حياته بعد ذلك، وأن حبل الحنين مازال مشدودا إليها، وأن كفتها هي الراجحة دائما كلما عقد نوعا من المقارنة بينها وبين ما جاء بعدها وتذكر البدايات فاعترف بأنه عاشق لها· ومع ذلك فهو يدرك تماما أن القطار الذي يركبه هو وكل الذين كانوا  قبله والذين سيأتون بعده إنما هو قطار ذو اتجاه واحد، وأن أي تفكير في الرجوع إلى أيٍّ من المحطات التي عبرها هو نوع من الانسلاخ عن واقع لا مفر من التعايش معه، وأن أيَّ محاولة للإقدام على شيء من ذلك ستؤدي لا محالة إلى انفصام هو في غنى عنه إذا أراد أن يحافظ على توازنه·

 يستعيد في ذروة إحساسه بالزمن الجميل وحنينه إليه لحظات رائعة كم يودُّ لو أسعفته الذاكرة فأعانته على رسم تفاصيلها الدقيقة مثلما تفعل ريشة رسام ماهر وهي تبرز أدق الأشياء لتثبت براعته· حتى الأصوات تحجز لها مكانا في الذاكرة عندما تكون الصورة محفورة هناك في أعماق الوجدان، تحتل مساحات من القلب شاسعة، تشكل الواجهة الأجمل لكل الصور التي انطبعت قبلها، والخلفية الأعمق لكل الصور التي ستأتي بعدها· فأيّ صورة هذه التي يمكن أن يكون لها كل هذا الأثر؟ وأي تأثير هذا الذي يمكن أن تحدثه صورة مهما كان جمالها وروعتها؟ إنها دون شك صورة تختزل كل أحداث الزمان ومعالم المكان، وتستحوذ على كل مساحات الجمال لتتشكل منها هذه الفسيفساء الرائعة حيث تلتقي كل المعاني النبيلة التي تزخر بها الحياة·

إنها صورة "رفع العلم" لحظةَ إعلانِ قيام "دولة الإمارات العربية المتحدة" يوم الثاني من ديسمبر من عام 1971م· تلك الصورة التي شكلت وجدان طفل الأمس، ومازالت تضفي جمالا على النفس بعد ثلاثة عقود ونصف من الزمن، لم يعد بعدها الطفل طفلا، ولم تعد الحياة كما عرفها بكرا· تغيرت معالم المكان كثيرا، وتغيرت حسابات الزمان أكثر· شيء واحد فقط لم يتغير؛ إنها الروح التي بثتها تلك الصورة في وجدان ذلك الطفل، يوم أن كان طفلا، فحافظت على شعلة الأمل التي لم تخفت أبدا، وعلى صفاء الروح الذي لم تغيره الأيام حتى لو تغيرت معالم كثيرة في الحياة حَوْلَهُ بفعل عامل الزمن الذي لا تكف عجلته عن الدوران·

 غادر ذلك الطفل مرحلة الطفولة، ولم يَعُدْ يحلم بحكايات الجدات الطيبات اللواتي أخذن معهن حكاياتهن ورحلن· ولا عاد يحفل بمجموعات النجوم التي كان يتسابق مع أقرانه لمعرفة أسمائها في ليالي الصيف المقمرة، تلك التي اختفت هي الأخرى خلف غابات الإسمنت وناطحات السحاب التي حجبت السماء عنه· ولا عاد يحصي عدد الأحلام التي تحققت وتلك التي انكفأت على صخرة الأيام فتلاشت مثل دقيق نثروه في يوم عاصف فذرته الريح· ولم يَعُدْ يهتم باللعب رغم كثرة الألعاب واللاعبين حوله من كل صنف ولون· شيء واحد فقط لم يغادر ذاكرته ولا وجدانه؛ إنها تلك الصورة الجميلة التي انطبعت في ذهنه، وهاهو اليوم يستعيدها في ذكرى المناسبة؛ مناسبة تحقيق أهم حلم في حياته و حياة أبناء جيله؛ يوم أن رأوا دولتهم المتحدة واقعا يعيشونه، يغيّر لهم معالم صورة الماضي لينقلهم إلى صورة أزهى، صورة لم يعش مراحل تحولها جيل الأبناء الذين ولدوا داخل إطار الصورة  فلم يعرفوا حجم المعاناة التي عاشها من كانوا قبلهم؛ من مضى منهم ومن مازال على قيد الحياة ليتولى مهمة نقل الصورة إليهم اليوم·

اليوم يعود طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا ليروي لأبنائه قصة تلك الصورة التي انطبعت في أعماقه، علَّه يستعيد شيئا من عبق الماضي يمده بالزاد لمواصلة الرحلة، متطلعا لمستقبل أزهى رسَمَهُ أولئك المؤسسون الأوائل لوطن أجمل يحتفل اليوم بانقضاء ثلاثة عقود ونصف من مسيرة حافلةٍ بالبناء والعطاء، مفعمةٍ بالأمل والرجاء· اليوم يعود طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا يُحرِّك مؤشر الراديو متنقلا من محطة إلى محطة، علَّه يستمع إلى أغنية وطنية من أغنيات ذلك الزمن الذي كانت تتوحد فيه الإذاعات لتبث صوتا واحدا هو صوت الإمارات· اليوم يعود طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا يبحث بين محطات التلفزيون عن ذلك الشعار الذي كانت تتوحد تحته كل القنوات ليشعر بأنه يعيش مناسبة من أغلى المناسبات·

يتطلع طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا إلى البريق الذي ما زالت الصورة محتفظة به في وجدانه، ويبحث عنه في العيون الغضة التي تتفتح كل يوم على الحياة أمامه فيتمنى أن يجده متوهجا فيها كما هو داخله· يتساءل طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا عن الصورة التي لم تفقد ألقها؛ لماذا لا ننقلها بكامل تفاصيلها إلى الأجيال التي ستؤول إليها الأمور لتعرف أيَّ وطن عظيم صنعه لها جيل المؤسسين، كي تبذل الغالي والنفيس من أجل المحافظة عليه وتسليمه إلى من سيأتي بعدها راسخَ الأركان قويَّ البنيان؟

يكبر طفل الأمس الذي لم يَعُدْ طفلا ويكبر الوطن أمام عينيه· تزداد الصورة ألقاً فيتوهج وجدانه ويزداد عشقا لها· تأتي المناسبة لتذكي نار الحنين إلى زمن البدايات والأحلام، وتوقد شعلة الأمل في المقبلات من الأيام· يأتي الثاني من ديسمبر فيحرك في نفس الطفل الذي لم يَعُدْ طفلا كل هذه المعاني حتى يعود طفلا من جديد·

 تُرى كم هي قادرة هذه المناسبات العظيمة على أن تعيدنا إلى زمن ما زالت شعلته متقدة في أعماقنا!

تُرى كم هي قادرة هذه الأوطان على غرس كل هذا الحب في قلوبنا، وبث كل هذا الأمل في نفوسنا!

 ترى كم نحن في أمس الحاجة إلى أن نستعيد صورة معبرة كهذه، في مناسبة غالية كهذه، لتحرك في نفوسنا مشاعر جميلة كهذه، ليصبح العنوان الأنسب لتداعياتها هو: الطفل·· الصورة·· والمناسبة!

*كاتب إماراتي

 aliobaid2000@hotmail.com

�����
   

صراع بين اتجاهين:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
نزوة حكومية:
سعاد المعجل
دير بالك:
على محمود خاجه
حدث في مستشفى مبارك:
محمد بو شهري
معسول القلم لا يشفي الألم!:
عبدالخالق ملا جمعة
إعدام الطاغية المسرح والستارة:
بدر عبدالمـلـك*
غوغائية المجلس وتخبط الحكومة:
المهندس محمد فهد الظفيري
أين "أسد" حولي من "وحش" حولي:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أستراليا البعيدة:
د. محمد حسين اليوسفي
الطفل.. الصورة.. والمناسبة:
علي عبيد
بيان الشرفاء:
عبدالله عيسى الموسوي
فساد أصحاب العقود:
طلال خالد إبراهيم مكي
اليمن السعيد ومسرحية تنحي العقيد:
خالد عيد العنزي*
هذا هو الإصلاح.. يا بشوات:
محمد جوهر حيات
الـ B.O.T وسيلة للفساد:
يوسف الكندري