رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 ربيع الأول 1427هـ - 12 أبريل 2006
العدد 1723

حقوق الإنسان.. من الحلم إلى الوهم
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

ربما لأنها جمعية ذات خصوصية مثيرة للجدل، جاءت ولادة جمعية حقوق الإنسان بدولة الإمارات - بعد مخاض طويل إلى حد ما - وسط صخب وخلافات لسنا في مجال البحث عن المخطئ والمصيب فيها، فكم هو جميل أن تكون لدينا جمعية لحقوق الإنسان في عصر الدفاع عن الحريات إلى حد خوض الحروب واحتلال البلدان والتدخل في شؤونها لبسط الديمقراطية في الدول المحررة، لكن الأجمل هو أن نتخطى مرحلة الشاعرية الجميلة هذه كي لا نظل محلقين في سماء الحلم الذي كاد يتحول  إلى وهم، ونضع أرجلنا على أرض الواقع لنواجه الحقيقة ونتعامل معها·

 لا نتحدث عن دولة الإمارات التي يتمتع مواطنوها والمقيمون على أرضها بمساحة من الحرية تحسدهم عليها شعوب كثيرة يدّعي قادتها الديمقراطية بينما هم يمارسون على شعوبهم أسوأ أشكال الديكتاتورية والظلم والتعسف· ولا نقصد بحديثنا هذا أيضا جمعية حقوق الإنسان الإماراتية الوليدة، إذ من المبكر جدا أن نبحث عن إنجازات الجمعية وإخفاقاتها و لمّا يمض على تأسيسها بعد سوى فترة يسيرة توشك أن تقارب الشهر· ولكننا نتحدث عن الفكرة بالمطلق، وعن حقيقتها منذ أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف ( د - 3 ) في العاشر من ديسمبر عام 1948 بمواده الثلاثين وحتى الآن، مرورا بالميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتُمِد ونُشِر بموجب قرار مجلس الجامعة العربية رقم 5427 في  الخامس عشر من سبتمبر عام 1997·

 إن من يراجع مواد الإعلان الصادر قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، في ظروف دولية مغايرة لما نحن عليه الآن، لاشك أنه سيجد فيها من المثالية الشيء الكثير مما لم يتم تحقيقه على أرض الواقع، رغم تحرر الكثير من الشعوب التي كانت ترزح تحت وطأة استعمار الدول التي وقّعت على الإعلان حينها، يوم أن كان عدد أعضاء الأمم المتحدة 58 دولة فقط ، تحتل الدول الغربية منها أغلب مناطق آسيا وإفريقيا، تتمتع فيها بسلطات مطلقة، وتقترف من الأفعال والممارسات أكبر الخروق لمواد الإعلان الذي شاركت في صياغته وقامت بالتوقيع عليه·

تتضح هذه المثالية في معظم مواد الإعلان إن لم يكن جميعها، حيث تنص المادة الأولى منه على أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، قد وُهِبُوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعملوا بروح الإخاء· وتنص المادة الثانية على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان (وهي كثيرة) دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر· وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء كان مستقلا، أو موضوعا تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتي، أو خاضعا لأي قيد آخر على سياسته· كما تنص المادة السادسة من الإعلان على أنه لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يُعترَف له بالشخصية القانونية· وتنص المادة الثامنة عشرة على أنه لكل شخص حقاً في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة!

إن تطبيق هذه المواد المجتزأة من الإعلان فقط على أكثر الدول تقدماً وادعاءً للديمقراطية وممارسةً للحرية بمختلف أشكالها؛ السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية، يسجل سقوطا ذريعا؛ إما لهذه المواد في الاقتراب من الواقع، أو لهذه الدول في قدرتها على تنفيذ ما توافقت على وضعه قبل ثمانية وخمسين عاما· ولنأخذ على ذلك مثالا فرنسا التي تُعَدُّ قلعة من قلاع الديمقراطية في العالم، ومشعلا من مشاعل النور والحرية· أليست ثورة المهمشين التي اندلعت فيها قبل شهور دليلا على عدم المساواة في الكرامة والحقوق بين أفراد المجتمع الفرنسي، مما جعلهم لا يعاملون بعضهم بعضا بروح الإخاء التي طالبت بها المادة الأولى من الإعلان؟ أليست هذه الثورة دليلا على التمييز بين إنسان وإنسان بسبب العنصر واللون والأصل الوطني والاجتماعي والثروة والمولد مما دعت إلى نبذه المادة الثانية من الإعلان؟ أليست قضية منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية خرقا صريحا وصارخا لحق كل شخص في حرية الفكر والوجدان والدين، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدة كما نصت على ذلك المادة الثامنة عشرة من الإعلان؟!

وعن انتهاك المواد التاسعة والعاشرة والحادية عشرة من الإعلان حدّث ولا حرج، حيث تنص هذه المواد على عدم جواز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا، وعلى حق كل إنسان في أن تنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلة محايدة نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته في أي تهمة جزائية توجه إليه، مؤكدة أن كل إنسان متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه· فأين من هذه المواد ما يحدث في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب، وتلك المعتقلات المتنقلة التي تقيمها الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً عن أراضيها التفافاً على قوانينها المحلية، واستخفافا بإرادة الشعوب الأخرى، وتحديا لقوانين تلك الدول، من أجل فرض هيمنتها وسطوتها على العالم، وتحقيق مآربها بأي وسيلة على حساب دول بعضها مصنف من العالم الأول الذي تنتمي إليه لكنها لا تقيم لبقية أعضائه وزنا إذا ما تعارضت مصالحها مع مصالح هؤلاء الأعضاء وكرامتهم وحقوقهم؟

 فإذا ما انتقلنا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان المكون من ثلاث وأربعين مادة، وجدناه يرسم صورة وردية لعالم عربي تمتلك فيه الشعوب الحق في تقرير المصير والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، ولها استنادا إلى هذا الحق أن تقرر بحرية نمط كيانها السياسي، فالشعب في منظور الميثاق العربي لحقوق الإنسان هو مصدر السلطات، والأهلية السياسية حق لكل مواطن رشيد يمارسه طبقا للقانون، أما حرية العقيدة والفكر والرأي فهي مكفولة لكل فرد، ولا يجوز فرض قيود على ممارسة هذه الحرية (إلا بما نص عليه القانون)· وتحمي الدول كل إنسان على إقليمها من أن يُعذَّب بدنيا أو نفسيا، أو أن يعامل معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة، وتُتخَذ التدابير الفعالة لمنع ذلك، وتعتبر ممارسة هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقَب عنها، ولكل فرد مقيم على إقليم دولة حرية الانتقال واختيار مكان الإقامة في أي جهة من هذا الإقليم في حدود القانون، ولا يجوز بشكل تعسفي أو غير قانوني منع المواطن من مغادرة أي بلد عربي بما في ذلك بلده، أو فرض حظر على إقامته في جهة معينة، أو إلزامه بالإقامة في أي جهة من بلده، كما لا يجوز نفي المواطن من بلده أو منعه من العودة إليه، ولا يجوز إسقاط الجنسية الأصلية عن المواطن بشكل تعسفي، ولا يُنكَر حقه في اكتساب جنسية أخرى بغير سند قانوني! فهل رأيتم بالله عليكم صورة أجمل من هذه الصورة التي يرسمها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدول العربية؟

إنها صورة تجعلنا نطالب جمعيات حقوق الإنسان في عالمنا العربي بتحقيقها لنا ووضعنا في إطارها الجميل· فهل تستطيع فعل ذلك بعد أن تتجاوز نشوة الإشهار، وينقشع عن معاركها الانتخابية الغبار لتواجه الواقع بكل مفارقاته ومآسيه وخيباته· وهل تكون على مستوى هذا التحدي، أم تتحول إلى علامة أخرى من علامات التعجب في زمن لم نعد بحاجة فيه إلى المزيد من هذه العلامات بعد أن أُهدرت كرامة الإنسان كما أُهدرت حقوقه، وما عاد جميع الناس يولدون فيه أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق كما تخيل أو تمنى أولئك الذين صاغوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليحذو حذوهم أولئك الحالمون الذين صاغوا الميثاق العربي لهذه الحقوق؟

نتمنى ذلك·

 

كاتب إماراتي

aliobaid2000@hotmail.com

�����
   

ألم البوح والكتابة عن الاحتلال(2-2):
سليمان صالح الفهد
مبارك لم يكن موفقاً البتة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
ورحل حسام الكلمة!!:
سعاد المعجل
ألف لا.. يا رئيس مبارك..
وما كان الظن بكم هكذا:
المحامي عبد الكريم جاسم بن حيدر
حوار من بعيد(4):
فهد راشد المطيري
حقوق الإنسان.. من الحلم إلى الوهم:
علي عبيد
حماية الشخصيات "ليست" بإرهاب الناس:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
وطن الظلام:
محمد بو شهري
منقبات وفرعيات:
المحامي نايف بدر العتيبي
هكذا يفكر الصهاينة:
عبدالله عيسى الموسوي
أوضاع الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية:
د. نسرين مراد
الشتائم وتطور البرلمان:
فيصل عبدالله عبدالنبي
ماذا قال المقرر وماذا يقصد؟!!:
د. عبدالواحد محمد الخلفان
نداء لسمو رئيس مجلس الوزراء:
محمد ناصر المشعل
الجامعة العربية ومؤتمرات القمة :
د. لطيفة النجار