رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 يوليو 2007
العدد 1781

أحلام صيفية
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

كانت السعادة بادية على وجهه وهو ينظر إلى حقائب السفر التي سيعودون بها من رحلة الصيف التي استغرقت أكثر من شهر ونصف جريا على عادة العائلة كل عام، فقد كانت على غير العادة أقل عددا وأخف وزنا من تلك التي اعتاد أن يراها في المرات السابقة، وللمرة الأولى منذ أن عرفوا عادة السفر للتصييف هذه يغيرون كل عاداتهم التصييفية، ويلغون بند التسوق الذي كان يحتل أكثر من 90% من برنامج رحلة السفر سابقا· وللمرة الأولى تصبح زيارة المتاحف والمعالم السياحية والثقافية في البلد الذي يزورونه هي البند الأول على جدول الرحلة· وللمرة الأولى أيضا يشعر أنه لن ينشغل بجدولة ديون السفر وحسابات بطاقات الائتمان المتعددة التي يحملها بعد عودته، لأنه وبالتنسيق مع أم العيال لم يرهق نفسه هذه المرة بمصاريف إضافية كانوا يتكبدونها في أسفارهم السابقة لمجرد السمعة والتفاخر والمظاهر الكذابة·

وزاد من سعادته أنهم لم يضطروا للذهاب إلى المطار في قافلة سيارات؛ نصفها يحمل الحقائب، ونصفها الآخر يحمل أفراد العائلة المكونة من خمسة عشر فردا قضوا هذا العام صيفا مختلفا سوف يخضع للتقييم بعد عودتهم إلى أرض الوطن· وفي المطار لم يضطر هذه المرة أيضا لدفع تكاليف وزن زائد رغم أنهم لم يقوموا بشحن أيٍّ من حقائبهم كعادتهم كل عام· لذلك كانت رحلة الطائرة رغم بعد مسافة البلد الذي اختاروه للتصييف ممتعة وخالية من العناء الذي وسم العرب به السفر قديما عندما وصفوه بأنه (قطعة من العذاب) غير مدركين اختلاف الوسائل و تغير الظروف·

حطت الطائرة على أرض المطار فشعر صاحبنا بفرح غامر هذه المرة لم يكن يشعر به في المرات السابقة لأسباب كثيرة يطول شرحها· كانت المفاجأة الأولى التي استقبلته في المطار هي اختلاف تلك الوجوه التي اعتاد رؤيتها كلما غادر أو عاد من المطار نفسه أو غيره من مطارات الدولة، فقد استغرب اختفاء تلك التشكيلة الغريبة العجيبة من السحنات واللغات واللهجات التي عادة ما كانت تستقبله منذ أن يُفتَح باب الطائرة وحتى يُغلَق عليه باب غرفة نومه في البيت بعد أن يصدر تعليماته إلى العاملين لديه من الخدم والطباخين والحراس والسائقين بتجهيز سيارته في الصباح·

كانت الوجوه التي استقبلته هذه المرة كلها لشباب وشابات من أبناء الوطن يعرف جيدا سحنتها ويألف لغة أصحابها ولهجتها؛ بدءا من المضيفات والمضيفين الأرضيين ووصولا إلى موظفي الأمن والجوازات الذين هم عادة من المواطنين· ظن صاحبنا للوهلة الأولى أن هناك يوما للمواطن على غرار يوم الشجرة ويوم الأرض ويوم الصحة العالمي، لكن رؤيته لوجوه العاملين في السوق الحرة وصالة الحقائب أثارت لديه دهشة دفعته لسؤال أحدهم عن سر ما يشاهده بعد أن بدأ الشك يساوره في أنه قد نام نومة أهل الكهف وصحا في زمن آخر غير الذي كان فيه، لكن العامل المواطن أجابه بابتسامة واثقة: ألم تعلم يا عزيزي أن المواطنين أصبحوا يحتلون جميع مواقع العمل في البلد، وأنه أصبح لدينا منهم فائض يمكن أن نصدره للدول المجاورة؟! ظن صاحبنا أن الشاب الذي لم تفارق الابتسامة وجهه يسخر منه أو يمازحه، لكن التهذيب الذي كان باديا على الشاب أبعد هذا الخاطر عنه وجعله يواصل طريقه بعد أن استلم حقائبه التي لم تتأخر هذه المرة أيضا كما كان يحدث سابقا، ليجد أن جميع الوجوه التي قابلها في طريقه إلى خارج المطار كانت لمواطنين ومواطنات في مختلف مواقع العمل وعلى جميع (الكونترات) التي مر بها!

في الطريق إلى البيت فوجئ بالشوارع تكاد تخلو من السيارات، ولم يجد الزحام الذي كان واحدا من أسباب عصبيته وتوتره عندما غادر البلد في بداية الإجازة رغم أن الساعة كانت تشير إلى السادسة مساءً؛ ذروة الزحام وتوقف الحركة في جميع شوارع المدينة! سأل عن السر فيما يراه أمامه مذهولا فقيل له إن الذين كانوا يسدون الشوارع بسياراتهم قد اضطروا للرحيل بعد أن تقلصت أمامهم فرص العمل في المواقع التي احتلها المواطنون بعد أن كانت حكرا عليهم، وقد تكدست في المعارض آلاف السيارات التي هبطت أسعارها بعد أن قل الطلب عليها وزاد المعروض منها· أراد أن يسأل عن (سالك) لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وأجل سؤاله حتى يستوعب ما يراه أمامه·

مذهولا واصل صاحبنا طريقه إلى البيت غير مصدق ما يشاهده لكن الصورة كانت تقول إن واقعا جديدا قد تشكل خلال الفترة التي قضى فيها إجازته خارج البلد· وقبل أن يفيق من دهشته لاحظ عدد اللوحات المثبتة على واجهات البنايات والفلل الفاخرة تعرضها للبيع أو الإيجار بأسعار تنافسية لا تخطر على البال! سأل مرة أخرى فأتاه الجواب الذي لم يتوقعه يوما أو توقع إجابته بعد عقود من الزمن: لم تعد لدينا أزمة إسكان يا عزيزي، فقد غدا كل مواطن يملك أكثر من بيت بعد أن أصبحت الأسعار في متناول الجميع!

أطرق صاحبنا قليلا قبل أن يسأل عن أسعار المواد الغذائية والسلع والأدوية التي كانت ترتفع يوما بعد يوم فأتاه الجواب الذي يتماشى مع التغيير الذي يراه بعد عودته، وقيل له إن الدولة قد فرضت هيبتها على التجار وحدت من جشعهم واستغلالهم لحاجة المواطن الذي لم يكن دخله يكفي بالكاد لتأمين معيشته، ولم يعد المواطنون ينتظرون رواتبهم بشغف في آخر الشهر لتتبخر في الأسبوع الأول من الشهر التالي، ولم يعودوا يطالبون أيضا بالزيادات التي كانوا يتسقطون أخبارها ويصدقون الإشاعات التي تنتشر عنها بين كل فينة وأخرى ثم تتبخر هي الأخرى كما تتبخر الرواتب ولا يبقى في أيديهم إلا الكفاف الذي يحمدون الله عليه وهم يطلبون منه العون وينتظرون الفرج!

كانت الطرقات تتوالى على باب الغرفة عندما أفاق صاحبنا من نومه ليجد ابنه الصغير يقول له إن السيارات التي طلبوها كي تنقلهم إلى المطار تنتظر في الخارج، وإن العمال قد بدؤوا في إنزال الحقائب، ولكن يبدو أن السيارات لن تكفي إذ ربما احتاجوا أكثر· سأل الأب ابنه عن أمه فأجاب بأنها قد ذهبت إلى المتجر المجاور لتشتري هدية لإحدى زميلاتها في العمل بعد أن تذكرت في اللحظة الأخيرة أن الزميلة العزيزة قد أحضرت لها هدية عندما عادت من بانكوك قبل عامين·

قام صاحبنا يجر قدميه متثاقلا بعد أن تأكد أن هناك مسافة شاسعة بين الحلم والحقيقة، ومضى يتمتم بكلمات لم يستطع الابن الذي ما زال واقفا بالباب أن يتبينها، لكن الذي تبينه الابن جيدا هو أنه قد قطع على أبيه حلما جميلا كان يتمنى لو لم يفق منه·

* كاتب إماراتي

 aliobaid4000@yahoo.com

�����
   

مذكرات الدكتور الخطيب:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
خطبة جمعة عصرية:
فهد راشد المطيري
الأبحاث العلمية... "صيانة"!:
د. بهيجة بهبهاني
إلى جميع لصوص بلادي مع التحية:
على محمود خاجه
"إلى من يهمني أمره":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
قلنا لك.. الاستقالة أكرم!!:
محمد جوهر حيات
فليحاسب كل متجاوز على المال العام:
محمد بو شهري
د. فيصل المسلم وقصة الثلاثة الكوكباني:
أحمد سعود المطرود
الاستجواب وما تحت الجلباب:
المهندس محمد فهد الظفيري
أم نضال:
عبدالله عيسى الموسوي
كل شيء يحدث باسم الدين:
د. فاطمة البريكي
أحلام صيفية:
علي عبيد
القراءة للأطفال ..خطوة نحو تثقيفهم:
د. لطيفة النجار
بين المأمون والراهب ريموند:
ياسر سعيد حارب