رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 1 نوفمبر 2006
العدد 1748

درس ألماني
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

لم نكد ندلف إلى ذلك المطعم الإيطالي الذي يحتل موقعا متميزا في واحد من أهم شوارع ذلك الحي المعروف بتلك المدينة الألمانية الشهيرة حتى تلقتنا النادلة الشابة بابتسامة عريضة أرجعناها في البداية إلى قلة عدد الزبائن في تلك الساعة من ذلك اليوم الصيفي معتدل المناخ، أو لطبيعة الفتاة التي اكتشفناها بعد أن أخذنا أماكننا على الطاولة التي اخترناها في الجزء الخارجي المكشوف من المطعم، أو لعلها كانت من شروط المهنة التي لا يلتزم بها كثير من العاملين فيها ممن لا يتمتعون بتلك الروح التي كانت تتمتع بها نادلة ذلك المطعم الذي قادتنا الصدفة البحتة إليه لتناول غدائنا الأخير بتلك المدينة قبل أن نغادرها وهي تودع الصيف وتتهيأ لاستقبال الخريف·

لم يكن صعبا على نادلتنا الشابة أن تكتشف جنسيتنا من ملامح وجوهنا وهيئاتنا، خاصة بعد أن أخبرتنا أن ثمة عائلة من بلدنا واظبت طوال فترة الصيف على الحضور يوميا إلى ذلك المطعم، وكانت آخر زيارة لها يوم أمس قبل أن تغادر عائدة إلى أرض الوطن· ولم تنس أن تذكر لنا وهي تبتسم أن بعض نساء تلك العائلة كن يبكين لأنهن عائدات إلى الحر والرطوبة بعد أن انقضت أيام الإجازة الصيفية الممتعة·

 قلنا لها محاولين التوفيق بين أصول المجاملة وواجب الدفاع عن حرارة ورطوبة بلدنا إن مدينتهم جميلة حقا وطقسها رائع ولكن ليس إلى درجة البكاء عند العودة إلى الوطن لأن قيمة الوطن لا تقاس بالحرارة والبرودة، ولا الاخضرار واليباب، لكن مضيفتنا الشابة لم تبد أي انفعال وقالت لنا دون أن تفارق الابتسامة وجهها إنها ليست من أهل هذا البلد، كاشفةً لنا عن جنسيتها الكرواتية، مشيرة إلى أنه قد مضى على وجودها هنا عامان تقريبا·

 ما بين تسجيل اختياراتنا من الطعام وإعداده ثم إحضاره والدفع قبل المغادرة دار بيننا وبين نادلتنا الكرواتية الظريفة حوار كان يقطعه بين حين وآخر انشغالها بالزبائن الآخرين ومحاولتها إتاحة الفرصة لنا كي ننتهي من تناول غدائنا، لنكتشف أنها تخطط للعودة إلى وطنها بعد خمس سنوات أو ست تكون قد كونت خلالها نفسها وجمعت مبلغا من المال يساعدها على بدء مشروع خاص بها، أما صدمتنا الكبرى فقد كانت عندما كشفت لنا أن أهل البلد هنا لا يرحبون كثيرا بالغرباء العاملين في بلدهم حتى لو كانوا من دول أوروبية جارة لهم لأنهم يعتقدون أنهم ينافسونهم على وظائفهم وفي أعمالهم ويشاركونهم مصادر رزقهم· ولذلك فهم يضيقون هذه الفرص عليهم ويضعون من الشروط  ما يغلق بعض المجالات في وجوههم·

تضرب لنا محدثتنا مثلا بنفسها فتقول إنها تحمل شهادة جامعية في الصيدلة من بلدها لكنها لا تستطيع العمل بشهادتها هذه هنا لأن القوانين تشترط عليها أن تدرس خمس سنوات أخرى كي يسمح لها بالعمل في مجال تخصصها، لذلك فضلت العمل نادلة على إضاعة خمس سنوات أخرى من عمرها في الدراسة· أما أختها الحاصلة على شهادة في الطب من بلدها فهي غير مسموح لها أيضا بممارسة هذه المهنة هنا قبل أن تتم سنوات أخرى من الدراسة في ألمانيا، وهكذا الأمر في كل التخصصات تقريبا· والمحصلة أنهم يضعون العراقيل ويتشددون في شروط العمل للغرباء كي يقللوا من الفرص التي يتيحونها لهم، ويزيدوا من فرص أبناء البلد· ورغم كل هذا فإن معدلات البطالة عندهم مازالت مرتفعة، وقضيتها بند أساسي على أجندة كل الأحزاب السياسية التي تحتل كراسي الحكومة أو تجلس في صفوف المعارضة·

رغم الانطباع الجميل الذي خرجنا به من ذلك المطعم الإيطالي الذي يتخذ من أحد أشهر سباقات السيارات اسما له، إلا أن حقائق جديدة تكشفت لنا وصدمتنا بعد أن كنا نعتقد أن المدن الأوروبية التي على شاكلة مدينتا التي بدأنا مراسم توديعها هي جنة الغرباء الباحثين عن فرص عمل من أولئك الذين تصافح أعيننا وجوههم في كل ناحية من أرجاء المدينة· 

 ليست ظواهر الأمور إذن هي التي تدفعنا إلى الحكم على الأشياء لأن أحكاما من هذا النوع ربما تكون خاطئة أوبعيدة عن الحقيقة· وما سمعناه من نادلة مطعم تحمل شهادة في الصيدلة تحدثت بتلقائية ومرارة مغلفة بالابتسام راوية معاناتها لغرباء ربما لا تلقاهم ثانية دفعنا للتفكير في أوضاع بلدنا الذي نشعر نحن فيه بالغربة كلما نظرنا حولنا ورأينا كل هذه الوجوه الغريبة التي تحيط بنا·

جمهورية ألمانيا الاتحادية التي هي محور الحدث والحديث يبلغ عدد سكانها82,5  مليون نسمة تقريبا، يشكل الألمان الأغلبية الساحقة منهم (حوالي  75مليون نسمة) بينما يشكل المهاجرون فيها نسبة تقارب  %9 من السكان ويقدر عددهم بـ  7,3 مليون نسمة· ويحتل اقتصادها المرتبة الثالثة عالميا (بعد الولايات المتحدة واليابان)· يبلغ إجمالي دخلها القومي 2251,7 مليار يورو، وبلغ إجمالي ناتجها المحلي (عام 2005) 2247,4 مليار يورو، وبلغت صادراتها (عام 2005)  901,69   مليار يوروبارتفاع بلغت نسبته  %6,2ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى  %7,4 خلال عام 2006  مما يجعلها ثاني أكبر دولة مصدرة في العالم، ويبلغ متوسط دخل الفرد فيها 26856 يورو حسب أرقام عام 2005·

دولة بهذا الحجم سكانيا، وبهذا الوزن اقتصاديا تسن من القوانين وتفرض من الضوابط ما يحفظ لأبنائها حقهم في فرص العمل بعد أن بلغ معدل البطالة فيها (عام 2004)  %4.9 في غرب الجمهورية و%17 في الولايات الشرقية الخمس بعد أن ظلت ترتفع في دورات متعاقبة منذ عام 1970  لتشهد انخفاضا طفيفا خلال النصف الأول من عام 2006 حسبما أعلنت وكالة العمل الاتحادية التي قالت إن البطالة قد تراجعت للشهر الثالث على التوالي بمقدار ملموس بلغ 138 ألف شخص عن الشهر الذي سبقه، وانخفضت بالتالي إلى4  ملايين و379  ألف شخص· ورغم ذلك فقد رأى رئيس الوكالة الاتحادية للعمل فرانك يورغن فايس أن الحديث عن حصول انعطاف إيجابي حاسم في سوق العمل مازال مبكرا· أما التوقعات فتشير إلى أنه بحلول عام 2010  ستتمكن الإصلاحات من خفض نسبة البطالة إلى ما بين 3 إلى5  في المئة·

نسوق هذه الأرقام والحقائق ونحن نتجه بأبصارنا نحو دولتنا التي يقارب عدد سكانها مجموع العاطلين في ألمانيا وتقترب نسبة المواطنين فيها من نسبة العاطلين الألمان لنسأل عن الحلول التي وضعناها لهذه المشكلة الآخذة في النمو رغم كل الحلول التي تتخذ مواقعها فوق المنابر وعلى الورق ثم تضل طريقها إلى التنفيذ·

في إحدى دول جنوب شرق آسيا كان المحاضر يتحدث عن وضع الأقليات في المجتمعات الحديثة والحقوق التي يجب أن تتمتع بها وتضمنها لها الأغلبية عندما طرح المشارك الإماراتي في حلقة النقاش تلك سؤالا عن حقوق مواطني البلد عندما يكونون هم الأقلية داخل المجتمع ذي الأغلبية الأجنبية· هنا توقف المحاضر عن الحديث ليقول: إننا هنا للتحدث عن أمور واقعية، لا عن افتراضات لا وجود لها إلا في الخيال! فما كان من صاحبنا إلا أن سحب سؤاله وتابع المحاضرة في صمت مبتلعا غصته· فهل يتوجب علينا جميعا أن نبتلع غصتنا ونلوذ بالصمت، أم أن ثمة دروسا علينا أن نتعلمها من الشعوب الأخرى، وأولها الدرس الألماني، كي نضمن لأبنائنا مستقبلا لا يجدون فيه أنفسهم على أرصفة الشوارع بينما يتمتع غيرهم بكل الفرص ويستحوذ عليها؟

 

* كاتب إماراتي

 aliobaid2000@hotmail.com

�����
   

الشرق الأمريكي الجديد:
سعاد المعجل
من سيمسك بالعصا من وسطها؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
ويهل عيد جديد:
د. لطيفة النجار
المجتمع الاستيطاني:
عبدالله عيسى الموسوي
درس ألماني:
علي عبيد
المسابقات: تفاهة من أجل الابتزاز:
عبدالخالق ملا جمعة
المطبّلون في الأتراح:
د. فاطمة البريكي
المسلسلات في رمضان:
د. حصة لوتاه
"نبي أساميهم":
على محمود خاجه
رؤية 2007 الوطنية:
د. محمد عبدالله المطوع
شعب بالأقساط:
المحامي نايف بدر العتيبي
خلف خلاف:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
Nonsense Meter:
فهد راشد المطيري