رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 7 مارس 2007
العدد 1764

من للغريبة في يومها؟
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

احتفلت شعوب العالم يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر فبراير باليوم العالمي للغة الأم في تقليد سنوي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 1999 من أجل تعزيز التنوع الثقافي وتعدد اللغات التي تقول إحصاءات المنظمة إن لغة واحدة منها تختفي كل سنتين، أو بتعبير أدق "تموت" باعتبار اللغة كائنا حيا تسري عليه نواميس الحياة وقوانينها·

ربما مر هذا اليوم على شعوب مناطق كثيرة من العالم دون أن يحرك في نفوس أفرادها سوى الاعتزاز بلغاتهم والمضي قدما في حمايتها، ناهيك عن التوسع في نشرها بين الشعوب الأخرى· هذا هو الوضع الطبيعي لكل عاشق للغته الأم في أي بقعة من بقاع الأرض بات ليلته تلك قرير العين مطمئنا على أمه اللغة، واثقا من أنه سيصحو في اليوم التالي ليجدها أكثر حظوة لدى أبنائها وأشد قوة وأرسخ كيانا بين شقيقاتها من اللغات الأخرى· لكن ثمة عشاقا للغاتهم الأم في مواقع أخرى من العالم باتوا ليلتهم تلك قلقين على أمهاتهم التي يرون حرمتها تنتهك أمام أعينهم، ودمها يسفح كل يوم على مذبح العولمة بدعاوى الانفتاح والتعددية الثقافية دون أن يستطيعوا تحريك ساكن للذود عنها أو الوقوف في وجه التيار الجارف الذي يجتاح كيانها ليقضي على البقية الباقية من هويتهم· تَصوَّر أنك واحد من هؤلاء المعنيين بهذا الحديث ممن تشقيهم أحوال لغاتهم وأوضاعها، وتَصوَّر ما سوف يحدث لك بعد ليلة قضيتها متقلبا على جمر مخاوفك من اندثار لغتك الأم التي تحتفي كل شعوب العالم بشقيقاتها بينما هي تحتضر، وابدأ صباحك متفائلا رغم كل المؤشرات التي لا تدعو لهذا التفاؤل الذي نقترح عليك أن تبدأ صباحك به·

سوف نفترض أن يستفزك الصباح إيجابيا وأنت في طريقك إلى عملك، خاصة عندما تحاول أن تبدأ يومك بأعصاب بعيدة قدر الإمكان عن التوتر، في زمن أصبح التوتر فيه سمة طاغية على طبيعة العصر· وسوف نطلب منك أن تحاول العمل على رفع وتيرة هذا الإحساس الجميل لديك عن طريق دغدغة مراكز الحس المرهف فيك· وعندما تبدأ البحث عن الوسيلة الأفضل لذلك فلن تجد بالتأكيد ما هو أروع من لحن فيروزي ترافقه كلمات الصباح المفعمة بالأمل، تلك التي تتوقعها عبر إذاعة تعزف على وتر هذا الإحساس لدى مستمعيها·

تمد يدك إلى مفتاح "الراديو" الذي غالبا ما يكون رفيقك المفضل في السيارة· تتوقع أن يكون هو وسيلتك لتحقيق هذه الغاية بعد أن تكون قد تشبعت من سماع كل أشرطة "الكاسيت" و"السيديهات" التي تنوي كل مرة تغييرها، وكل مرة أيضا تؤجل تنفيذ هذا القرار كما هو حال القرارات الكثيرة المؤجلة التي تتضخم ملفاتها يوما بعد يوم في حياتك· تنتقل من محطة إلى أخرى محاولا انتقاء الأفضل، وعندما يستقر مؤشر "الراديو" على المحطة التي تعتقد أنها ستلبي حاجتك وتروي ظمأ روحك تصدمك لغة المذيع الذي يأبى إلا أن يستفزك سلبيا هذه المرة مفسدا عليك بهجة الصباح وروعته، فما الذي يحدث؟

تتوقع أن يكون اسم الإذاعة التي اخترتها حافزا لمذيعيها ومستمعيها، ودافعا لهم لاستخدام اللغة التي أخذت تلك الإذاعة منها اسمها، لكنك تفاجأ بأن معظم "المسجات" التي تصل المذيع مكتوبة باللغة الإنجليزية، يقرؤها باللغة التي وردت بها، ويرد عليها مستخدما اللغة نفسها، وفي أحسن الأحوال لهجة عربية مطعّمة بكلمات إنجليزية يتصور أنها أكثر قدرة على توصيل رسالته لمستمعيه· تسأل: وأين "العربية" إذن؟ فيذهب سؤالك في الهواء ليرتد إليك بعد أن يصطدم بلافتات المحلات التي تطالعك على جانبي الطريق مكتوبة باللغة نفسها التي استفزتك في محطة الإذاعة، وأخرى بلغة عربية ركيكة ملأى بالأخطاء· الأمر الذي يدفعك إلى مواصلة طريقك مركِّزًا على حركة السير بعد أن تكون قد أغلقت المذياع ولجأت إلى ذخيرتك القديمة من "الكاسيتات" و"السيديهات" كي تحافظ على المزاج المعتدل الذي بدأت به صباحك وتخشى عليه الآن من الانفراط أمام سيل الاستفزازات التي تتعرض لها·

تصل إلى مكتبك بعد أن يكون الزحام قد ساهم بدوره في إفساد البهجة التي بدأت بها يومك فيستقبلك "الفاكس" القابع على يمينك برسالة من إحدى مؤسسات التعليم العالي الوطنية تُذكّرك بموعد اجتماع متفق عليه سلفا بين المؤسسة التعليمية تلك وعدد من المؤسسات التي من بينها مؤسستك لتدريب الطلبة والطالبات تمهيدا لاستيعابهم بعد التخرج في قطاعات العمل المختلفة· تسعدك الفكرة في مضمونها بينما يفسد عليك اكتمال بهجتها أن الدعوة مكتوبة باللغة الإنجليزية من ألِفها إلى يائها· تتساءل عن السبب الذي يدعو مؤسسة تعليمية وطنية - في بلد يُفترَض أنه خالص العروبة - إلى مخاطبة مؤسسة وطنية مثلها بلغة غير العربية حول موضوع يتعلق بتوطين الوظائف لا تغريبها فلا تجد إجابة منطقية واحدة لسؤالك المنطقي جدا هذا· تذهب إلى الاجتماع فتجد الذين يمثلون الجهات المدعوة من الناطقين بلغة الضاد عدا من يمثل المؤسسة التعليمية الداعية تلك· تستفزك مرة أخرى هذه المفارقة العجيبة، وترتفع وتيرة الاستفزاز لديك عندما يفرض واقع الحال على المجتمعين أن يدور الحوار كله داخل الاجتماع بلغة غير العربية· تتساءل عن سر هذا القمع الذي تتعرض له لغتك الأم في وطنها فلا تجد أيضا إجابة منطقية لسؤال منطقي آخر يغرس علامة استفهام أخرى في رأسك المُتعَب وألف علامة حزن وتعجب في قلبك المُعذَّب· تتشاغل عن الاجتماع باختلاس النظر إلى الصحيفة الملقاة على الطاولة أمامك فيطالعك إعلان لدائرة حكومية عن وظائف شاغرة· يلفت انتباهك من بين الشروط المطلوبة للترشح لهذه الوظائف إجادة اللغة الإنجليزية محادثة وكتابة دون الإشارة إلى اللغة العربية· تنظر في تاريخ الصحيفة تلك فإذا به الحادي والعشرون من شهر فبراير· تتذكر أنك قد تلقيت قبل أيام دعوة من "جمعية حماية اللغة العربية" للاحتفال بهذا اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة يوما للاحتفاء باللغات الأم في بلدان العالم أجمع فتضحك في سرك وأنت تردد "شر البلية ما يُضحِك" ثم تغادر الاجتماع والألم يعتصر قلبك على لغتك الأم التي كان الاحتفاء بها في بلدك مختلفا· في الطريق عائدا إلى مكتبك تتحاشى هذه المرة فتح "الراديو" وتغضُّ النظر عن التطلع إلى لافتات المحلات على جانبي الطريق كي تحافظ على البقية الباقية من أعصابك التي لم تعد تتحمل المزيد من الاستفزاز في محيط كل ما فيه يستفزك رغما عنك وأنت مستلب تماما· تلاحظ بعد هذا كله أنك قد استخدمت في مقالك مجموعة من الأسماء والمصطلحات غير العربية فتبتلع غصتك وأنت خائف أن تكون حتى الغصة التي تبتلعها بلغة غريبة عن لغتك الأم التي تشعر باليتم كلما نظرَتْ وتأمّلَتْ في ما يجري حولها فتألّمَتْ لما آلت إليه حالها في وطنها وبين أبنائها الذين لم يعرفوا قيمتها فكان احتفاؤهم بها حزينا في يومها·

كاتب إماراتي

 aliobaid2000@hotmail.com

�����
   

"بوعرام" الخطوط الكويتية!:
سليمان صالح الفهد
لماذا الاستقالة؟:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
هموم آينشتاين:
سعاد المعجل
ولم يقف حديث اللحى:
على محمود خاجه
"اللي ما يطيع يضيع!!":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الجمعيات التعاونية يا نواب:
المهندس محمد فهد الظفيري
اليمن الديمقراطي والإبادة الجماعية!:
د. عمران محمد القراشي
المعذرة سيد سماحة:
د. محمد عبدالله المطوع
الاحتقان والتشنج السياسي... والهيئة البرلمانية العربية لحقوق الإنسان!:
محمد جوهر حيات
ماهية الحرية:
محمد بو شهري
"حتمية الانتظار في لبنان":
عادل رضـا
النفوذ اليهودي في سويسرا:
عبدالله عيسى الموسوي
من للغريبة في يومها؟:
علي عبيد
طوفتنا الهبيطة... نحن وأشقاءنا الأشقياء!:
خالد عيد العنزي*
الاقتصاد وبهجة الإنسان المفقودة:
د· منى البحر