"الفلاسفة الفنانون هم وحدهم الفنانون الذين أنظر إليهم نظرة جادة"
"جورج برنارد شو"
يتمايز قراء الصحف - بداهة - في اختيار الصفحة التي يبدؤون بها قراءة صحفهم المختارة· فثمة قراء يشرعون بقراءتها من الوسط، حيث الصفحات الرياضية التي يحفلون بها دون غيرها! وهناك عامة القراء "الأسوياء" الذين ألفوا قراءتها من قدام، حيث الصفحة الأولى المزدحمة بمانشيتات الأخبار الساخنة· لكن "بوطلال: محمد مساعد الصالح" حول مسار قراءة الصحيفة إلى مؤخرتها حيث تقبع زاويته الصحافية الشهيرة "الله بالخير" قرابة أربعين عاما··· الله زد وبارك· فحيثما حل "بوطلال" يشرع مريدوه الكثر بمتابعة المؤخرة بشغف كبير يليق بها وبه! مؤخرة الصحيفة، أي صحيفة، حتى لا يروح أحدكم بعيدا من حيث لا أحتسب!
· من هنا لاعجب أن ينال صاحبنا جائزة الصحافة العربية كمولى أحسن عمود صحافي، ذلك أنه قبلها قد نال حب القراء المريدين المتابعين له - بإصرار وترصد - بغض النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم مع مضمون مقالاته الساخرة· وأحسبني لا أغالي إذا نوهت بأن قراءه يشكلون كل ألوان الطيف السياسي في دولة الكويت وضواحيها! ومن هنا فإن الجائزة تعتبر - بمعنى من المعاني - تحصيل حاصل! ولعلها جاءت متأخرة جدا، لكون صاحبها: طويل العمر في إبداع المقالة الصحافية الساخرة·
· من هنا كنت أتمنى على جمعية الصحافيين الكويتية لو أنها اهتبلت هذه المناسبة لتقيم ندوة تكرس لمناقشة مضمون "الله بالخير" وأسلوبها، وكل ما تنطوي عليه من مواقف جريئة لنصرة الحق، وإشاعة التنوير، فضلا عن البهجة التي تشيعها سخريته المطبوعة التي تسم حياته اليومية، وصياغته لمقالاته الصحافية· لكن الجمعية اختارت الاحتفاء والاحتفال التقليديين الممجوجين الكامنين في إهداء المحتفى به: الدرع الكويتي إياه، الذي يمتلىء به سرداب بيت "بوطلال" وربما حوشه!
والعبد لله يعرف سلفا (وإخوان·· إن شئت!) أن الدرع رمز يفترض أنه دال وبليغ وينطوي على الاحترام والتثمين والتقدير وما إلى ذلك من قيم، لكن أخشى القول إنه بات مجانيا يفتقر إلى المعنى والدلالة والقيمة جراء منحه لكن من هب ودب، بحق وبدونه! لذا آمل من الجمعية - مستقبلا - أن تحيل دروعها العتيدة إلى المخازن، وإلى الاستيداع، علها تجد جائزة معنوية تليق بها وبالمحتفى به! كأن توكل إلى جمعية الفنانين التشكيليين إبداع جائزة ذات معنى ودلالة·
· ولعلي أزعم بأن مقالة "الله بالخير" بمثابة البوصلة التي تحدد الهم الوطني أو العربي اللذين يموران في وجدان الكاتب، طول النهار السابق على تدبيجه لمقاله· صحيح أنه يسيطرها لمدة نصف ساعة··· وربما أقل، لكنه يفكر فيها سحابة نهاره كله· الشاهد أن القارىء أصبح لا يتصور صدور الصحيفة التي يكتب فيها، بمنأى عن حضور "الله بالخير" اليومي الذي ألفه واعتاده عقودا عدة ولو حدث ذلك لأي سبب من الأسباب، فربما يهرع القراء المريدون إلى مقر صحيفة "القبس" هاتفين: "صحافة أونطة هاتوا فلوسنا" متأسين بهتاف رواد السينما الشهير: "سينما أوطنة هاتوا فلوسنا"!
· لكن "بوطلال" نفسه لن يسمح بحدوث هذه الفعلة، ربما لأنه يتنفس من خلال مناخير "الله بالخير"، ويشم بها عبق الهم الذي يتمحور حوله مقاله اليومي· إن مقالة "الله بالخير" تضاهي خبزة الصباح التي يطعمها المرء في فطور الصباح الباكر! ومن هنا باتت قراءته عفوية وأتوماتيكية و"قسرية" بالمعنى "البافلوفي" للكلمة·· ذلك القسر الناشئ عن الارتباط الشرطي العضوي بين حضور الفطور وبين قراءة "الله بالخير" فكلاهما يستدعي الآخر!
وآخر هذرتي تقول: مبروك للجائزة اختيارها "لبوطلال" الموفق لها·· وله· |