هل أبالغ وأجافي الحقيقة إذا ذكرت بأن الكرة الأرضية صارت كرة قدم بفضل حلول موسم ومولد مولانا "المونديال" الذي سيستمر قرابة شهر! وأزيد من شعر المولد بيتا فأزعم بأن رأس الإنسان، إلا من رحم ربي، بات هو الآخر كرويا! فتجد أن المريدين يتداعون للمولد العالمي العولمي بالسهر، وكراء "الدش" المشفر، ولمة الأصدقاء والأحبة! إن الساعة البيولوجية تتواءم مع توقيت المباريات وتتغير كرمى لها! ولو عنّ لك المرور على أي إدارة حكومية لإنجاز معاملة ما لا تدهش لو زأر فيك قائلا: فوت علينا بعد المونديال! وتحتشد بمعية أهلك وأقاربك لخطبة عروس لابنك فيعتذر لك ولي أمرها بانشغاله الشديد - هو والعيال وأمهم - بمتابعة مباريات كأس العالم! وقد شعر بعض المرشحين بأن المولد الكروي قد سحب بساط الجماهير من تحت أقدامهم، فلم يروا بدا من نصب شاشات تلفزية عملاقة ليتيح للناخبين الكرويين الاستمتاع بمولد سيدنا "المونديال"! ولا أعرف إذا كانت المشاهدة المجانية خالصة لوجه الرياضة، أم تشوبها شبهة "رشوة" ملتبسة تروم كسب ود الناخب الكروي وصوته؟! ما علينا·· فهذه مسألة تخص النوايا· الشاهد أننا كنا نشاهد النهائيات، الى سنوات خلت، مجانا لأن الدول العربية، من خلال اتحاد إذاعات الدول العربية تشتري حق النقل، وتتقاسم التكلفة حسب نصيبها في ميزانية الاتحاد، ومثل كل مولد: ثمة سوق لا بد منه، سوى أنه في المونديال سوق رأسمالي احتكاري تسيطر عليه شركات الإعلان، وتلك التي تحتكر بيع البث التلفزي للعالم كله والمحتكر العربي الذي رسا عليه المزاد هو مالك الشبكة التلفزية "ART" المشفرة المتاحة للقادرين الميسورين فقط لا غير! اللهم إلا إذا لجأ أحد المستورين الى شراء بطاقة ومفتاح الشفرة المقرصنة المسروقة! ويبدو أن هذه العينة من المشاهدين المستورين الذين "تضطرهم" ظروفهم المادية المهدودة الى استخدام هذه الوسيلة غير المشروعة قطعا كثيرون جدا، الى درجة أن الشبكة المحتكرة تبث مواعظ شتى، تذكر المحرومين بأن السرقة حرام! ولا نجادل في ذلك إطلاقا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، في هذا السياق هو: أليست المغالاة في تسعير ثمن البطاقة الذكية الشرعية المشفرة هي التي أفضت الى وجود ظاهرة السرقة التي تعاني منها الشبكة المذكورة؟!
وآمل أن يكون المجلس الوزاري لوزراء الإعلام العرب الذي انعقد في القاهرة منذ يومين، برئاسة أخينا "محمد ناصر السنعوسي" قد توصل الى حل لمسألة بث المناسبات الرياضية الدولية بمنأى عن احتكار شبكة خاصة!
ويبدو أن الاحتكار أحد تجليات حضرة العولمة "المباركة"! فـ "العولمة تعيد هيكلة الطرائق التي نحيا بها وبصورة بالغة التأثير، ويقود الغرب العولمة وهي تحمل بصمات تعكس بوضوح القوة الاقتصادية والسياسية الأمريكية· كما أنها ذات آثار غير متكافئة الى حد بعيد···" بحسب "أنتوني جيدنز" في كتابه "عالم منفلت" ترجمة "د· محمد محيي الدين" دار "ميريت" بمصر، وهو كتاب حري بالمطالعة لا سيما لمن يريد معرفة كيف تعيد العولمة صياغة حياتنا؟ وفي مقدور القارئ قراءته بساعتين لا سيما أن صفحاته ذات القطع الصغير أقل من مئة صفحة·
نعود الى المولد العالمي لكرة القدم ونحاول اتخاذ مسوح المحللين الرياضيين الراسخين في معرفة تقنيات لعب هذه المدورة الساحرة فأقول: بأن المشاهد لا يمكن له الاستمتاع بها بامتياز دون التماهي مع اللاعبين! فتجد المشاهد يلعب وهو يتفرج، بهمة المنحاز الى فريق دون آخر، والى لاعب بعينه يتسم بقدرات ومهارات ولياقة أكثر من أقرانه اللاعبين، المثير للأسى والحسرة، أن الجمهور الكويتي، وهو يشارك في هذا المولد، يتداعى الى ذاكرته المشاركة الوحيدة لفريقنا الوطني في مونديال 1982 في إسبانيا! فريقنا الوطني الذهبي الذي كان يضم النجوم الأفذاذ "جاسم يعقوب، فيصل الدخيل، عبدالعزيز العنبري، فتحي كميل، عبدالله معيوف·· و··" وغيرهم، لقد مضى 24 سنة على هذه الذكرى الذهبية الطيبة والتي يبدو أنها ستكون بيضة الديك التي لن تتكرر لا سيما وأن القيمين على الرياضة صار لهم 20 سنة ولم يقدموا إنجازا يضيف الى إنجاز مونديال 82 ويثريه بالحضور الدائم في أغلب دوراته كما تفعل المملكة العربية السعودية الشقيقة التي تواتر اشتراك فريقها في المونديال طوال الاثنتي عشرة سنة الأخيرة!
إن الحديث عن فريقنا الذهبي ذو شجون، وبخاصة أنني ترأست الفريق الإعلامي الفني الذي كان بمعية الفريق الوطني في مونديال إسبانيا 82 حسبي الإشارة في هذه العجالة، الى أن خطابنا الإعلامي هناك حرص على أن يقول بأن وصولنا الى التصفيات النهائية العالمية ليس وليد صدفة، ولم ينشأ من فراغ! |