بادئ ذي بدء أنوه: بأني أنجذب عفوياً الى أي إبداع ينتسب الى أسرة عمنا الأستاذ "عبدالرحمن الخميسي" المنعوت بين مريديه وأصدقائه بلقب "القديس" الذي لا مجال هنا الى الخوض في حكاية النعت واللقب· من هنا حين هتفت لي الزميلة الصديقة "ليلى أحمد" وأنا أتسكع في معرض القاهرة الدولي للكتاب، طالبة اقتناء كتاب "تاكسي حواديت المشاوير" للكاتب الأديب "خالد الخميسي" بادرت من توي الى اقتناء نسخ عدة ذلك أن "أم جاسم" دودة كتب يوثق في اختيارها! وحين قرأته في قعدة واحدة كان رواد المقهى الشعبي المجاور لداري العتيقة يبحلقون في العبد لله دون أن يخفوا دهشتهم من هذا الآدمي الذي يقرأ ويبتسم، ومن ثم يضحك دون قهقهة! وأخيراً ينفجر ضاحكا مثل أي مزاجزي قاعد في "غرزة" بالمعنى المجازي المزاجي ليس إلا! الكتاب رحلة في فضاء سائقي سيارات التاكسي في قاهرة المعز، فالكاتب من ركاب التاكسي وله مع مواليها وقائديها حوار متواصل رصده المؤلف طوال سنة وثق نكاتهم وتعليقاتهم العفوية الصريحة المدججة بسلاح السخرية وتقنية "النكتة لوجيا" المصراوية العصية على احتواء الولايات المتحدة الأمريكية بدعوى أن الرئيس بوش الابن قد يعد "النكتة لوجيا" من أسلحة الدمار الشامل، والذي يعزينا نحن معشر المصريين والعرب أن محمد البرادعي القيم الدولي للطاقة النووية: ابن بلد وصاحب نكتة، ولذا لن يعول كثيراً على مزاعم بوش إياها· ما علينا نرجع لمحور حديثنا: يضم كتاب "تاكسي" 58 حكاية تنطوي على هموم وقضايا وحوادث تخترق معقل المحرمات "التابوهات" بجرأة ولغة أدبية مكثفة شديدة الدلالة ومترعة بخفة الدم المصراوية المعهودة وتعري سوءة المثالث والعيوب والأخطاء والخطايا الكامنة في المجتمع المتجلية في دردشة سائقي الأجرة مع الكاتب، والمعبرة عن وجهات نظر شريحة "الغلابة" المطحونين في المجتمع وحكمتهم البليغة رغم عفويتها وبساطتها، وقد صار معروفاً ومألوفاً بالنسبة للصحافيين العرب وغيرهم من زوار مصر بين حين وآخر أن يكون الحوار مع سائق التاكسي يفضي بالزائر الى معرفة نبض الشارع المصري المتبدي بما يبوح به سائق التاكسي ويلعلع بآخر نكتة وخبر وإشاعة ونميمة وشتيمة هجاء وذم·· وكل عدة وعتاد الحوار بالتي هي تسخر توسلاً الى التنفيس عن حالة النكد التي يعانيها الإنسان الكادح بجلد وصبر لهما العجب، ولا مثيل لهما في أي بلد عربي حسب ظني! ولأن المؤلف كاتب سيناريو ومخرج بدا لي وأنا أقرأ الكتاب كأني أشاهد فيلماً روائياً يتمحور حول سائقي التاكسي الملعلعين دوماً: بالحكايا والخفايا والأخبار والأسرار الدالة على ما يجري في فضاء قاهرة المعز!
من هنا: لم أشعر البتة بأن شهادة الأستاذ الدكتور "جلال أحمد أمين" في الكتاب المطرزة لغلافه الثاني ويقول فيها "من أجمل ما قرأت في وصف المجتمع المصري" وشهادة المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري القائلة: "عمل إبداعي أصيل ومتعة فكرية حقيقية" تنطويان على شبهة مجاملة والعياذ بالله·
حسبنا أن نعرف في هذا السياق أن الكتاب نفد في غضون أيام قليلة الأمر الذي يدل على أن الشهادتين السالف ذكرهما في محلهما، وأحسب أن القراء يتطلعون - بشغف - الى موعد ولادة العمل الإبداعي الجديد لابن أخينا: خالد عبد الرحمن الخميسي، رحم الله والده، وأطال في عمر المؤلف الإبداعي· |