لعل أكثر العبارات شيوعا بين الناخبين هي عبارة: يصير خير! يقولها الناخب للمرشح الذي ينوي اختياره، ويهمس بها في أذن غير الراغب فيه على حد سواء! والعبارة، كما ترى، محايدة وتشي بالأمل· لكن "من يبني آماله على الأوهام يجدها تتحقق في الأحلام" بحسب "بودلير"! البلية أن أغلب المرشحين لا يتعظون بهذه المقولة·· ولا غيرها، بل يمعنون بالتشبث بالأمل الكاذب الذي تنطوي عليه عبارة يصير خير ما غيرها! ومع أنها في حياتنا اليومية، إلا أن المرشح - أي مرشح - يراهن على أن قائلها: لا ينطق إلاّ حقا، ولا يأتيه الباطل من أي صوب! دون أن يظن سامعها أن الخير المضمر في المقولة ينصرف الى مرشح غيره!
ولنفترض جدلا بأن العبد لله كان مرشحاً، وسمع هذه العبارة المواربة المجاملة، تتواتر على ألسنة الناخبين في منطقة ترشيحه لأيقن - بحكم السوابق المتراكمة - أنه فاشل في المعركة الانتخابية لا محالة! ومن ثم· يهرع الى إدارة الانتخابات، بينما لسان حاله يقول "العوض ولا القطيعة" علّه يسترد رسوم التسجيل، وقبلها استرداد "كرامته" معللا النفس بأنه خسر المعركة لا الحرب! فلا بأس عليه من الاعتراف بالإخفاق والفشل فيريح ويستريح! ومادمنا في معركة فلنا أن نتوقع اختلاف استجابات المرشحين إبانها: فثمة من يمارس الكر والفر والخدعة المشروعة وغير المشروعة، وقلة تؤثر السلامة، وتفهم إشارة "يصير خير"" هذه على أن الخير فيها الانسحاب والعودة الى البيت، حيث العيال وأمهم بمنأى عن التعويل على عبارة حمالة أوجه تعني الشيء وضده! بعكس معناها في الأيام الخوالي الذي يفضي الى معنى: يصير خير إن شاء الله، بمعنى الموافقة المؤكدة، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن "إن شاء الله" تدل على ذلك، فإن شاء الله زمان تعني: حاضر·· وصار و"O.K"· فيقول الأب لابنه هات الغرض الفلاني فيجيبه أحد عياله: إن شاء الله! فسبحان مغير الأحوال! وأحسب أن من واجب إدارة الانتخابات تقديم كتاب شكر ودرع تذكارية، كما هو دأبنا في كل مناسبة، إلى "جوقة" يصير خير الملعلعة في كل موسم، لأنها ستملأ خزينة الإدارة بدنانير المرشحين المعتمدين على وعد زئبقي ضبابي أفضى بهم الى الإخفاق،، كما هو متوقع!
ثمة مشهد بتكرر، هو الآخر، في كل انتخابات برلمانية، ويتبدى في تكالب العاملين في الحملة الدعائىة للمرشحين على الناخبين صبيحة عملية الاقتراع، وطوال سحابة نهارها! فتراهم يتزاحمون على الناخب مادين أيديهم ببطاقات تحمل اسم مرشحهم الذي يعملون لإنجاحه ظانين أن الناخب يمكن أن يغير اختياره المحسوم سلفا، في الدقائق التي تسبق ممارسته لاختياره! إن إلحاح هؤلاء اللجوج يذكرالمرء بإلحاح محترفي التسول! وأحسب أن الجميع يضيقون بهذا الإلحاح، وينفرون منه! ولعلهم أسوأ من المتسولين المحترفين، لأن الأخيرين يكتفون بالإلحاح اللفظي، بينما المفاتيح والعاملون في الحملات الإعلامية يطيحون في الناخب بوسا وعناقا وقبلات شتى، وسلاماً ملطخاً بالتزلف والنفاق·· و·· إلى آخر عدة وعتاد الدعاية الانتخابية على الطريقة العربية! وأذكر بالمناسبة مشهدا "تراجيكوميدي" يثير ضحكا كالبكاء! فقد شهدت القوم إياهم يتحلقون حول الكرسي المدولب المتحرك لأحد المسنين المقعدين الذي جاء بمعية السائق· تخاطفه المتسولون، وحظي به أشدهم قوة، فطاربه صوب اللجنة، وحين أنهى مهمته برح في مقعده لا يريم! ولولا صراخه الغاضب لبات في مقر مركز الاقتراع! ويبدو أنه لا خلاص من المتسولين إياهم إلا بارتداء "دشداشة وغترة وطاقية وبشت وسروال مكسر وملابس داخلية ذات لون برتقالي يفصح عن الاختيار جهارا نهارا"! وأتمنى على باعة الملابس الرجالية الوطنية المسارعة بتفصيل الزي الانتخابي السالف ذكره آنفا·· قبل أن يلتهمه سوق الصين العظيم الذي وأد الصناعات الوطنية العربية المغاربية والمشرقية على حد سواء! وقبل أن يقول الباعة "يصير خير" سنجد الملابس الوطنية المصنعة بأيد صينية ملأت الأسواق! |