قبل المقالة: "·· ثم ماذا لو عدلنا عن الأحقاد، ومحونا من الذاكرة طعم الأحزان، وأدخلنا الرأس في عمق الأعماق، وبحثنا عن لحظة لا تباع ولا تشترى تحت برد الجليد··· نتوحد كلية داخل بؤرة الزمن الآتي··" الروائي واسيني الأعرج
كلنا يكره الإرهاب الطايح في الكل، دون أدنى اعتبار لحرمة المساجد، والحسينيات، والكنائس، والمعابد التي بها المؤمنون الآمنون من كل دين ومذهب· إنهم - باختصار - يقتلون النفس التي كرمها الله سبحانه، وحرم قتلها·· واعتبر هذه الفعلة بمثابة قتل للناس جميعا·
لكن الكثيرين منا يظنون - آثمين بالضرورة - أن مهمة احتواء ظاهرة الإرهاب ومجابهتها منوطة برجال الأمن والجيش فقط لا غير! مكتفين بدور "أضعف الإيمان" الذي يتبدى بالشجب والتنديد، ومن ثم يعود المرء لممارسة حياته اليومية العادية، مرتاح الضمير، خلي البال، ينام في فراشه قرير العين كما طفل نقي شفاف بريء لا يعي أنه يعيش في غابة إنسانية تبز الغابة الحيوانية وحشية وإجراما، وجنونا، وعربدة إرهابية تروم بفعلها الإرهابي بألا تبقي ولا تذر! ومن هنا نقول: بأن الإرهاب الذي يستهدف الجميع، حري به أن يجابهه الجميع سعيا الى احتوائه والسيطرة عليه· ولا أعني بالجميع، في متن هذه الخاطرة، النخب المثقفة، المسلحة بالعلم والمعرفة فحسب، بل إنها تحتوي كل فئات وأفراد المجتمع، في كل قطر عربي وإسلامي! فحين يتحول كل مواطن الى خفير ومخبر وعين تترصد أي سلوك شاذ ومريب، فتبلغ عنه·· ولو كان ذلك السلوك يمارس داخل بيته! ذلك أن المريب تفضحه عيونه - كما الصبّ - وتصرفاته الغريبة اللاسوية! من ناحية أخرى فإن المواطن العادي الذي ينتمي الى عامة المواطنين مطالب بأن يمارس حياته اليومية العادية بحذر، لكن دون وجل ولا خوف· كأن يقيم الأفراح والليالي الملاح المكرستين للمناسبات السعيدة: كالزواج، والنجاح في الثانوية والمعهد والكلية الجامعية، وحفل عقيقة المولود الجديد الذي شاء له حظه العاثر أن يولد في زمن القتل العشوائي حينا، أو القتل حسب الهوية والانتماء حينا آخر· إن الأقطار العربية السياحية التي تجابه الإرهاب بضراوة شديدة تحتاج - بالضرورة - الى جهود تردف تصديها وتعينه· ولعل أبسط مظاهر العون يكمن في أن ييمم السياح في الجزيرة العربية والأقطار العربية الخليجية، صوب المدن والقرى السياحية العربية ومنتجعاتها، خلال الأشهر الصيفية التي نحن فيها· إن وجود السياح الخليجيين في مصر المحروسة - مثلا - ينطوي على رسالة موجهة مباشرة الى الإرهابيين أنفسهم تقول: بلسان حق مبين لن نكف عن السياحة في ربوع الديار العربية والإسلامية السياحية، مهما كان إرهابكم مدمرا وضاريا بقصد وأد السياح وإجهاض السياحة، وقطع رزق ملايين العاملين في القطاع السياحي والترويحي والصناعات التقليدية وغيرها·
ومن هنا تكمن أهمية توجه السياح العرب الى الاصطياف في الأقطار التي تكابد الإرهاب، لظني بأن التنديد والمظاهرات الرافضة للإرهاب لا تكفي، ولا تفضي الى تحجيم واحتواء ومحاصرة خفافيش الظلام والحقد والكراهية· فالفعل وحده هو الذي يؤدي الى تغيير واقع حال المحنة الفتنة التي تستنزف الدماء، وتحصد أرواح الأبرياء، وتصادر الفرح والأمن والسكينة، وتنفي الحياة الإنسانية المكرسة لعمارة الأرض ومن وما عليها! وقد شرعت وزارة السياحة المصرية بالطواف بالدول العربية النفطية، للترويج للسياحة في بر مصر المحروسة· ولعل العقبة الكأداء التي ستجابه قوافل السياحة المصرية الترويجية يكمن في وجود "طويل العمر" قانون الطوارئ الذي يجثم على صدر مصر وأهلها وزوارها! نعم زوارها! فقد أصبح السائح نفسه يشعر بتجليات قانون الطوارئ الحاضرة في نقاط التفتيش، والطرق المسدودة التي تطيل أي مشوار وتحيله الى تجربة مرة قد تحرضه على أن يهج من البلد ومن فيها! وإذا كان المواطن المصري ذاته رافض - بالثلاثة - قانون الطوارئ سي الصيت والسمعة والذكر، فإن الزائر لن يلعلع بهتاف الرفض، لكنه سيضيق بالبلد المكبل "المكلبش" بأغلال قانون الطوارئ المؤبد الدائم، وسوف يقلل مدة إقامته·· هذا إن لم يفر من بلد الطوارئ الى حين زواله الى الأبد! إن التحدي الذي يجابه الدول العربية السياحية يتبدى في تحقيق أمن المواطن والزائر على حد سواء، بمنأى عن حضور القوانين الاستثنائية الأزلية والمعروفة حركيا بنعت الطارئة!
فلسنا وحدنا الذين ابتلينا بالإرهاب، لكن غيرنا - نحن معشر العرب والمسلمين - لا يتصدون له بالقوانين الاستثنائية النافية لحقوق الإنسان بذريعة مكافحة الإرهاب! ولا أراني بحاجة الى التدليل على ما ذهبت إليه· حسب المرء البحلقة في أخبار التلفزيون· حيث تجليات القوانين الاستثنائية حاضرة دوما في أخبار جهينة الألفية الثالثة! |