تقول الروائية "الشابة" بثينة العيسى على لسان "أبلة حصة" في روايتها المدهشة "عروس المطر": "إنه - الكتاب - لن يهبك روحه ببساطة لأنه يريدك أن تحببه كفاية، وعندما يتحقق ذلك سيدلق روحه فيك ويمتزج بكيانك وهو يعرف بأن فناءه لن يكون سدى لأن فناءه وجوده، وجوده فناؤه، وهذا هو: جوهر الحب وأقصاه إنه المعنى المنسي للشهادة"· وقد اخترت هذا المقطع لظني بأنه ينطوي على "وصفة" صوفية شاعرية لكيمياء التلقي والتواصل مع الكتاب·· أي كتاب! ومن هنا فإن رواية "عروس المطر" تستحوذ على وجدان القارئ وعقله فيحشد لقراءتها بشغف شديد من الصفحات الأولى! والحق أني أتفق مع مقولة "أبلة حصة" في السياق نفسه والقائلة بأن "الأرواح جنود مجندة والكتب أرواح" وهي مقولة مشتقة من حديث للرسول "صلى الله عليه وسلم"·
وقديما قيل في الكتاب كلمات مأثورة وأشعار شتى تؤكد على أنه خير جليس وصاحب وصديق، زد على ذلك مقولة الشاعر الأرجنتيني "خورخي لويس بورخيس" (الكتاب الذي يريد أن يدوم هو الكتاب الذي يمكن أن يقرأ بطرق عديدة والذي على أي حال يجب أن يسمح بقراءة متغيرة، قراءة متبدلة)· إن اختياري للرواية التي تحرضني تواً على قراءتها يكمن في أن تكون واضحة ومفهومة للعبد لله نفسه! أقول ذلك لأن العديد من الروايات طافحة بالأحاجي والطلاسم والألغاز وكأنها مصاغة بمداد الغموض المجاني المفتعل توسلاً الى أن تكون منتسبة الى الحداثة·· وما بعدها! وإذا لم أفهم الرواية لأي سبب من الأسباب، طلقتها بالثلاث طلاقا بائنا وسرحتها من مكتبتي بإحسان الى حيث ألقيت·
ولحسن حظنا - نحن معشر القراء - فإن رواية "عروس المطر" تخاطب القارئ "النخبوي" والقارئ العادي قارئ الصحف اليومية على حد سواء·· ومن هنا نجد أن رواياتها الثلاث كسبت قبول النقاد والقراء معاً، كما نوهت بذلك الأسبوع الماضي وبمناسبة الإشارة العابرة عن الحداثة·· أتفق تماما مع الأديبة الناقدة القطرية "نورة آل سعد" فيما ذهبت إليه بكتابها النقدي "أصوات الصمت" والذي تقول فيه (لا شك أن الحداثة في منطقتنا العربية مشروع يحمل في ثناياه وبين أروقته كثيرا من المبهمات والمسائل الشائكة، بيد أن هذا الأمر على ما يبدو جزء منسجم مع طبيعتها وآلياتها الداخلية، فلا ينبغي للحداثة إلا أن تنتقد الآخر ثم تعقب فتنظر الى نفسها أيضا بانتقاد وتشريح)·
والحق إن قراءتي للرواية أفضت بي الى الإحساس بالذنب لكوني أنتمي الى جنس الذكور الذين يمارسون الميز الذكوري العنصري الذي تكابده المرأة العربية في البلاد العربية كافة ولله الحمد! وشعرت بتعاطف شديد مع محنة "أسماء" بطلة الرواية العانس جراء قبحها الى درجة أني كدت أصلي لها "صلاة استسقاء" علّ السماء تشتي وتمطر عرسانا يبلون ريقها برضاب المودة والسكينة والتراحم كما هو مفترض في أي عرس· وفي زماننا العجيب لم يعد قبح الطلعة، والخلقة الشينة يشكل مشكلة عصية على الحل، إذ إن جراحة التجميل وتقنياتها الكثيرة كفيلة بأن تحيل القبيحة الى قمر "أربعتعشر" في غضون أيام معدودة·
أقول ذلك ربما لإحساسي اللا شعوري بالذنب تجاه المحنة التي تكابدها "أسماء" بطلة الرواية"!! |