منذ حوالي نصف قرن وبالتحديد في يوليو عام 1955 نشر العالمان "برتراند رسل" و"ألبرت آينشتاين" مناشدة لشعوب العالم يطالبونهم فيها بالتروي والتعقل والنظر الى أنفسهم كأفراد ينتمون الى صفات بيولوجية موحدة ويملكون من التاريخ والإرث ما يتوجب عليهم جميعا المساهمة للحفاظ عليه وعلى كينونتهم البيولوجية!!
ويطرح العالمان "رسل" و"آينشتاين" فكرة البقاء على كونها خياراً بشرياً بحتاً!! فإما أن تختار البشرية الفناء بالسلاح النووي أو تختار البقاء من خلال نبذ الحروب خاصة في ظل التسابق النووي المحموم الذي أصبحت الآن تخدمه سرعة قفزات التكنولوجيا وتطورها السريع والمذهل!!
لكن من الواضح ألا أحد أخذ تحذير العالمين "رسل" و"آينشتاين" على محمل الجد، فالتسابق النووي آخذ في التوسع بصورة مخيفة، ومعه يأتي خطر انقراض البشر ونهاية عصر الإنسان على هذه الأرض!! وهو الهم الذي نقله "آينشتان" معه الى القبر!!
لكن جهود العلماء وواجبهم في تحذير البشرية من الانزلاق في هاوية الدمار النووي لم تتوقف أبداً آخرها كان تحذير المحلل الاستراتيجي "مايكل ماكجرو" الذي كتب قائلاً "إن المواجهة النووية قد أصبحت قائمة ولا شك، وإن تجنبها هو أمر في ضرب المستحيلات"· وهو يحمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الأولى في حمى التسلح النووي، وهو هنا لا يعفي بريطانيا أىضا، لكنه يرى أن مطبخ القرارات هو واشنطن وبالتالي فهو يلقي باللائمة أولاً على الولايات المتحدة!! ويؤكد "ماكجرو" أن تكلفة تقليص ومحاصرة التسلح النووي هي أقل بكثير من تكلفة معالجة الانحباس الحراري والتي تحظى بميزانيات مهولة وجهود حثيثة وإصرار من قبل المجتمع الدولي!! لكن مخاطر التسلح النووي هي بلا شك تفوق مخاطر ارتفاع حرارة الأرض وبصورة لا تقبل المقارنة على الإطلاق!!
السؤال الذي يطرحه أكثر من باحث ومحلل يتلخص في مدى اعتبار التسلح النووي أداة ردع فعالة قادرة على تحجيم احتمالات المواجهات العسكرية، وكما كانت الحال إبان الحرب الباردة، حين كانت القوتان النوويتان: روسيا وأمريكا تتحصنان عن المواجهة العسكرية المباشرة من خلال التوازن النووي!!
قد لا ينكر أحد أن هنالك استخدامات سلمية للطاقة النووية!! وتلك هي الحجة التي طالما ساقتها إيران للرد على المعارضين لتجاربها النووية بدعوى أنها تطور قدراتهاالنووية لاستخدامات سلمية سواء في مجال الصناعة أو الزراعة!! على الرغم من أن المنطق يقول بأن دولة ثرية بالنفط والطاقة مثل إيران لا تحتاج الى البحث عن مصادر طاقة أخرى كالطاقة النووية!! خاصة إذا ما قارنا بين تكلفة الطاقة النفطية التي تعتبر رخيصة مقارنة بالتكلفة العالية للطاقة النووية!!
أحلام العلماء وتطلعاتهم وتحذيراتهم ليس لها موقع إطلاقا على أرض الواقع!! فالتسلح النووي مستمر وبصورة مخيفة!! والاستخدامات السلمية للطاقة النووية ستبقى أمراً ثانويا ونتاجا للتجارب النووية لكنها ليست الهدف الأساسي!! تماما مثلما حدث إثر اكتشاف الديناميت حين حاول المجتمع الدولي محاصرة استخدامه خارج النطاق السلمي لكنها وكما نعلم جميعا محاولات باءت بالفشل مع تطور أسلحة الحروب التقليدية ورواجها!
بالنسبة "لماكجرو" وغيره من المحللين والعلماء فإن محاصرة التسلح النووي الآخذ في الانتشار لا تكون إلا بتقليص هواجس التهديد التي تحسها دولاً مثل إيران وهي تواجه التهديد الأمريكي والإسرائيلي!!
suad.m@taleea.com |