رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

أبو ريم: الإنسان المبدأ
د. محمد عبدالله المطوع
malmutawa@albayan.ae

في حياة الإنسان لحظات لا يدركها الجميع، إلا ذلك الإنسان، الذي يرغب في أن يحقق شيئاً بسيطاً في حياته، بعدما حقق الأشياء الكبرى، قد يظل يقاوم إلى النهاية، لسنوات طويلة حيث إنه يحب الحياة ويدرك أن الإرادة البشرية أقوى من العوائق التي تقف في وجه تحقيق أهدافه وتعترض مسيرة التقدم، إنه ذلك الإنسان الذي حدد أهدافه لحياة أفضل للبشرية وللإنسانية، وخاصة لذلك الإنسان البسيط، سواء كان ذلك الإنسان غواصاً في أعماق البحار، يبحث عن اللؤلؤ، أو عاملاً يكدح لتوفير لقمة عيش لأبنائه، والعمل من أجل حياة كريمة للبشرية، وللتخلص من أشكال الاستغلال كافة، ذلك الإنسان يكون أقرب إلى مشاعر الناس وعقولهم، مثل هؤلاء الناس يتمنون أن تطول حياتهم، وأن يمتد بهم العمر لا لغرض الاستمتاع بملذات الدنيا وأطايبها، وهي مهمة بالنسبة إليهم، كما هي مهمة للجميع، ولكن لتحقيق المشروع الوطني والإنساني الذي رهنوا حياتهم من أجله، لهذا فإن تمسكهم بهذه الحياة تزيد من مقاومتهم للموت، وفي كل الحالات يظلون يعملون من أجل مبادئهم التي رسمت لهم طريق الحياة، من أجل البشر، إنهم أولئك الذين استطاعوا إنكار الذات، والابتعاد عن تحقيق مصالحهم الذاتية من أجل قضية عامة، أو من أجل هدف سام آمنوا به منذ المراحل الأولى من حياتهم، وخاصة في مرحلة الشباب وإلى آخر لحظات حياتهم المادية الملموسة، بل إن الحياة البشرية شهدت أناساً تمنوا أن يقاتلوا وأن يموتوا، ومن ثم يبعثون أحياء مرات ومرات ليقاتلوا ويستشهدوا في سبيل مثلهم العليا، وقيمهم التي رهنوا لها حياتهم، إن التاريخ سيذكر لهؤلاء أنهم بشر غير عاديين·

إن هؤلاء البشر عملة نادرة، ورحيلهم عن هذا العالم، قد لا يعوض، سمتهم الأساسية أنهم إنسانيون في علاقاتهم حتى مع من يختلف معهم في الرأي·

إن مقاومتهم للموت، يعكس أيضاً، بصورة من الصور، مقاومتهم لكل من يقف ضد حقوق البشرية في أن تعيش بسلام ومساواة وعدالة، إنه حلم كل المصلحين ومقاومي الاستغلال واضطهاد البشرية، فهم دائماً مع الفقراء والبسطاء من الناس، مع أولئك الذين يكدحون منذ بزوغ الشمس إلى حين غروبها، وفي ظل كل الظروف، لتوفير لقمة العيش لأفراد عائلاتهم، إن أولئك البشر هم من الأوائل الذين كانوا يدعون إلى المساواة والعدالة والحياة الكريمة للبشرية، سواء كانت تلك الدعوات من قبل أصحاب الرسالات السماوية وعلى رأسها سيدنا محمد (ص) خاتم الأنبياء أو ذوي الدعوات الإصلاحية من غيرهم·

ولعل فقيد الحركة الوطنية الراحل أحمد الذوادي أبا ريم واحد من هؤلاء الناس وهو حينما اختار اسمه الحركي "سيف بن علي" قد أدرك منذ وقت طويل ما هي معاني هذا الاسم ودلالته اللفظية وحتى التاريخية، ففي التاريخ العربي والعالمي، السيف هو القوة والحدة والفاصل، ولـه علاقة بالفرسان الذين يدافعون عن الحق، ومن خلاله تتحقق العدالة والمساواة والحق، وتتمة الاسم هي اسم الممسك بهذا السيف وهو الذي يعطيه أهمية إضافية إذ إنه "علي" بدلالاته التاريخية التي لا تخفى عن الذاكرة الشعبية لدى أصحاب الثقافة العربية والإسلامية·

لقد ظل سيف بن علي أو أحمد الذوادي من الشخصيات الوطنية على مدى نصف قرن من الزمن، أكد فيها أن الإنسان مبدأ، وأن الحياة هي العمل من أجل مصلحة الوطن والإنسان لقد صارع طويلاً من أجل مبدئه، دخل السجون وهجر الوطن الذي أحب، وعاش سنوات مريرة في الغربة، سعياً لبناء وطن حر وديمقراطي·

كان ابن مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، وممن تفتحت أمام أعينهم منذ المراحل الأولى للوعي، أن الوطن للجميع، وأن سبل تطوير هذه المجتمعات هو العمل المشترك بين السلطة وعامة الشعب، وأن التطور السلمي للمجتمعات البشرية يتطلب إيجاد آليات حضارية، يمكن من خلالها أن يعيش الجميع في سلام، وهو ما يعرف بالعقد الاجتماعي، وفي الدول الحديثة هو الدستور، تلك الآلية التي تحفظ للجميع حقوقهم سواء السلطة السياسية المتمثلة بالأسر الحاكمة وعامة الشعب، من أجل ذلك ظل ذلك الإنسان يقاوم جميع أشكال اختراق ذلك العقد الاجتماعي، منذ شبابه، وظل يناضل خارج الوطن وداخله سنوات قاربت نحو نصف قرن من الزمن·

منذ العقد السادس من القرن العشرين وتحديداً في عام 1955 م وحتى 2006 م، وهو يعمل من أجل غد أفضل للإنسان، ظلت راية العدالة والحرية والمساواة هي البوصلة التي توجه حياته، وحينما أدرك ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أن إصلاح الوطن بحاجة للجميع، كان أحمد الذوادي من الأوائل الذين سارعوا لتقبل الدعوة للمشاركة في بناء الوطن، فالوطني هو الذي يؤمن بالمتغيرات، وطالما أن شيئاً مهمّا قد حدث في البحرين فلا بد أن يتم التعامل معه بالجدية المطلوبة، فالمرحلة الجديدة التي بدأت توجب على الجميع أن يساهم فيها لترسيخ دولة المؤسسات والإصلاحات، وهكذا قاد عملية التحول من العمل السري إلى العمل العلني ضمن الأطر القانونية التي ظهرت في ظل القيادة السياسية الشابة التي تؤمن بأن الوطن للجميع وأن القانون هو الحكم·

في الحقيقة لم التق هذا الإنسان بشكل مباشر حتى في الفترة التي عاش فيها في الإمارات، إلا أن هنالك علاقة غير مباشرة بأفراد من عائلته، سواء ابنه قيس أو ابنته ريم أو زوجته حمدة خميس، وحينما ذاع خبر انتقاله إلى الرفيق الأعلى عادت بي الذاكرة إلى تلك الأسرة التي تفاعلت معها اجتماعياً على مدى أكثر من عقد من الزمن، وأدركت كيف أن ذلك الإنسان قد خلق جيلاً متعلماً راقياً في تعامله مع الآخرين، جيلاً يؤمن بأهمية التفوق والإخلاص والاحترام في علاقته مع البشر·

وفي لحظة من اللحظات الحزينة والمؤلمة جالت في خاطري شخصيات برزت في حياتي، تذكرت سماح غانم غباش وريم أحمد الذوادي، وهنا قد يكون للأب في أبنائه وخاصة البنات ذلك التأثير، آخذين بعين الاعتبار أن الأنثى هي مؤشر على مدى حضارية الأب في تربية الأبناء، وهذا لا ينفي أن الأبناء هم سواسية بغض النظر عن كونهم ذكوراً أو إناثاً·

وقد أكد لي بعض الأصدقاء أن أحمد الذوادي ظل ينتظر قدوم ابنته ريم من الإمارات، وظل يهذي باسمها حتى وصلت إليه وكأنه كان ينتظر تلك الإنسانة لتبقى آخر صورة من الوطن في ذهنه قبل أن يرحل من هذا العالم، وهذا ما تم فعلاً، فبعد وصولها بثلاث ساعات أعلن عن نهاية مشواره مع تحدي مرض السرطان، بعد أن وصلت المقاومة إلى نهاية الطريق·

ومن أجمل ما كتبه الشاعر علي الشرقاوي هذه الأبيات حول الراحل الجميل أحمد الذوادي يقول فيها:

 

كنت الطير

تعطي الحب حيث تطير

عشت براثن المنفى

عرفت اليتيم قبل اليتم

شربت الملح في الغربة

ألا يا سيد الشباب كنت الرمح والحرية

وكنت تهاجم الإحباط

يبدو أن مرض السرطان هو القاتل لبعض أولئك الذين يحملون راية التغيير والعمل من أجل غد وفجر جديد، في عالم يعوق التقدم والعدالة، ويبقى أن هنالك بشراً مع الإنسان والفجر الجديد، الذي يوفر للجميع حياة كريمة ويوفر وطناً حراً وديمقراطياً لكل أبنائه بعيداً عن التعصب والانغلاق الأعمى، منفتحاً على العالم الذي يتطور ويترك خلفه جميع الظلاميين والواقفين في وجه حركة التاريخ، وأبو ريم كان بالتأكيد واحداً من هؤلاء البشر·

 

malmutawa@albayan.ae

�����
   
�������   ������ �����
من يدفع ثمن الصراع؟
احترام العقل الإنساني
ما بين عامي 1956- 1967!!
بوش: انقل تمثال الحرية!!
وداعاً للعاطفة... الحل هو العقل؟!
المنتدى الإعلامي العربي
الأسطورة والنفط
من هو الأهم؟
الإنسان هو الأقوى
دبي.. هي الرؤية المستقبلية
المعذرة سيد سماحة
مهلا سيد بلير!!
استراحة المحاربين
الرقم السابع يطرق الأبواب
قراءة أولى في الانتخابات
المشاركة رؤية وطنية
إرادة الإنسان هي الأقوى!!
المحافظة على حلم جميل !!!
الوطن في مرحلة جديدة
  Next Page

حمانا جبل لبنان:
سليمان صالح الفهد
"الخرافي شين وقواة عين":
عبداللطيف الدعيج
انتصارات حزب الله:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
جنديان إسرائيليان.. بس!:
فيصل عبدالله عبدالنبي
بطل من هذا الزمان:
عبد الجليل النعيمي
أحفاد من نحن العرب؟:
المحامي نايف بدر العتيبي
لبنان يشتكي من الوهن العربي:
د. عبدالواحد محمد الخلفان
الكماشة المباركة:
عبدالرحمن خالد الحمود
وبعدين..؟:
على محمود خاجه
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية:
د. نسرين مراد
هكذا يفكر "أولمرت":
عبدالله عيسى الموسوي
الطريق الافتراضي إلى الموت:
د· منى البحر
الجمال، من يضع له الدلالات؟ :
د. حصة لوتاه
أبو ريم: الإنسان المبدأ:
د. محمد عبدالله المطوع