بعد مرور ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، ما يزال الإنسان العربي، في معظم بقاع الوطن العربي، يعيش في حالة من الانتظار، واليأس، وربما الإحباط، اللهم إلا في بعض الأقطار العربية، التي أدركت، أن آليات الحياة والتقدم، محورها الاقتصاد، أو السير نحو تحقيق المصالح الحياتية، والابتعاد عن ما عدا ذلك، قد يكون السبب للحديث عن هموم الإنسان العربي، والذي يحلم وما يزال بالعيش كبقية أمم الأرض، سواء تلك التي تمارس حياتها في ظل أنظمة سياسية تتغير ضمن صناديق الاقتراع، أو بعبارة أخرى من خلال اللعبة الديمقراطية، والتي رضي بها الجميع، وبالتالي التداول السلمي للسلطة خلال فترات محددة، حسب الدساتير أو غير ذلك ومثل هذا التداول السلمي يعطي عملية التنمية والتطوير قوة الدفع الدائمة والإمكانات المتجددة، ويحول دون خسارة كوادر مهمة في المجتمع تسقط جراء التغيير القسري الذي شهدته الكثير من المجتمعات في النصف الثاني من القرن العشرين· إن التغير وهو سمة الحياة الدائمة، هو النهج المتبع في حياة الأمم الحية، وبالتالي هنالك أمل دائم في إحداث المحاسبة السياسية والاقتصادية، ولعل نموذج الديمقراطية في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية هو الساطع في الألفية الجديدة، وبالتالي في أوروبا منبع الاستعمار والديمقراطية في الوقت ذاته· تلك التي ظلت تخطط للعالم منذ عصر النهضة، حتى الحرب العالمية الثانية، وحين ذاك دارت الدائرة، وتحول العالم نحو العالم الجديد، في القارة الجديدة، والتي تحررت من قيود النهضة الأوروبية، إلا أن الجذور التاريخية للفكر الإنساني، ظل مسيطراً على العقلية الثقافية للإنسان الجديد في القارة الجديدة·
إلا أن الصراع بين مراكز القوى بعد الحرب العالمية الثانية، نشر أذرعه على أنحاء العالم، سواء من الناحية الفكرية، أو الثقافية المادية، وفي كلتا الحالتين المشكلتين للثقافة، سواء فيما يتعلق بالبنية الفوقية أو التحتية، كان الإنسان المتعلق بالأمل، أو الحلم بالحياة السعيدة، يترنح بين الشمال والجنوب، بين القطاع العام والقطاع الخاص بين الشمولية من جهة، والتعددية من جهة أخرى·
كان الحلم في تكرار تجارب الأمم الأخرى، سواء في الطرح القومي، أو الأممي، أو حتى الديني فكان أن تعددت المنابر، إلا أن من يمتلك القوة, والنموذج، والإعلام، هو الذي سيطر على العقول، أو بعبارة أخرى، على العواطف، وكم هي قاتلة العواطف، حينما لا تستخدم العقل، وبالمناسبة فإن العقل أو الفكر، يكون دائماً مغيباً عن الإنسان في المناطق الأقل علمياً وعقلياً·
كانت العواطف هي التي تحدد المواقف، ولم يكن للعقل دور في ذلك، ولعل العقلية الخرافية هي التي جعلت الإنسان يعيش في الوهم·· ويذهب دائماً نحو السراب· ذلك الذي يقود الإنسان نحو الهاوية ونحو الهلاك·
إن الاعتماد على النقل ، دون التدقيق، والتمحيص يقود إلى نتائج خاطئة والاعتماد على التاريخ، دون معرفة الواقع الحقيقي يؤدي إلى كارثة·
إن ذاكرة المثقف العربي وخاصة أولئك الذين قد ركبهم الإحباط، واليأس قد يؤدي إلى تحليلات خاطئة حتى لذواتهم، تلك التي تعاني من العذاب، والبحث عن عالم آخر، غير العالم الواقعي لهذه الأمة، وينسى أولئك العلاقة بين المركز والمحيط، إن من سمات الإنسان الضعيف إنكار الذات والبحث عن الآخر، وليس مهماً أن يكون ذلك الإنسان من البصرة أو نابلس أو الجزائر أو غيرها من المدن العربية، ليس المهم الراية التي يرفعها البعض، إلا أن المهم إلى أين تؤدي هذه الراية، أهي نحو حرية الإنسان والاتجاه نحو الغد، هل من المعقول أن تطرح الأسئلة نفسها بعد قرن من الزمان، وفي ظل مرحلة تخطت فيها الأمم خط الخوف نحو التحرر والمستقبل· مسكين ذلك الإنسان الذي ما يزال مجبراً على الاطلاع على كتابات أولئك الذين لا يملكون راياتهم الخاصة نحو الحرية، ويرفعون رايات الآخرين، وبالتالي فهل كتب علينا كعرب أن نظل غارقين بالافتخار بماض سحيق يعود إلى قرون عديدة حيث كان العرب والمسلمون يملكون ناصية العلم· ويتسيدون صنع الحضارة سواء في بغداد أو دمشق أو الأندلس حيث يتجمع الآلاف من الإسبان اليوم أمام قصر الحمراء للاعتراف به كواحد من عجائب الدنيا، وقصر الحمراء واحد من نتاج الحضارة العربية في الأندلس، الغنية بتراثها· فيما نكتفي بالعصر الراهن بأن نفاخر بإنجازات الآخر، وكم كان مشيناً منذ عقود عندما كان يتبادل المثقفون العرب، يتبارون بالتفاخر بأحد طرفي الصراع العالمي الذي ساد القرن العشرين بين العالم الرأسمالي والعالم الاشتراكي، حيث يسهب كل طرف في إطراء المعسكر الذي يؤمن بأفكاره· وكأن انجازات هذا المعسكر أو ذاك هي انجازاتنا· في حين أننا كنا نعيش على الهامش ولا يتجاوز دورنا التصفيق·
هل اختلفت الصورة اليوم· بالنسبة للبعض لا شئ قد تغير· ولكن هنالك من يريد تغيير الصورة، إنه واحد من الذين يملكون إرادة التغيير، ألم يطرح صاحب السمو الشيخ محمد استراتيجية دبي حتى سنة 2015، وفيها أن تصبح دبي مدينة عالمية· وقد أجاب سموه سلفاً على الذين يملكون الجواب الجاهز دائماً· بأننا لسنا أهلاً لذلك· عندما قال: ألم تكن دمشق وبغداد مدناً عالمية ذات يوم· إنها البوابة التي يدخل منها بريق الأمل· وعلى المفكرين والمثقفين أن يساهموا مع الذين يحملون الراية في أن يجعلوها حقيقة وأمراً واقعاً·
أهذا هو زمن العودة إلى المربع الأول من جديد؟! أم أن هنالك من يرفع راية جديدة تؤكد على انتهاء زمن الخرافة والعودة إلى استخدام العقل العربي، والذي كان من نتائجه الحضارة العربية والإسلامية·
إن الإنسان العربي بحاجة إلى مساحة من الحلم والرؤية الجديدة، التي تجعله يعيش في سلام من جديد· في تصالح مع الذات· واستغلال الإمكانيات والإرادة، فالعرب يملكون الكثير من المقومات، ولكن المهم توظيف هذه الإمكانيات في صنع الحاضر والمستقبل·
دبي ستصبح مدينة عالمية··· إنه حلم قارب الحقيقة، ولكن الحلم الأكبر والأهم أن تصبح أكثر من مدينة عربية مدناً عالمية· عندها يتحقق الحلم···!!
رئيس وحدة الدراسات - البيان
malmutawa@albayan.ae |