رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 يوليو 2006
العدد 1737

الطريق الافتراضي إلى الموت
د· منى البحر

من الحقائق التي تواجهنا في حياتنا وترعبنا حقيقة الموت، فهي حقيقة مهما بلغت درجة إيماننا لا يمكن لعقولنا وقلبونا أن تحتملها، وأن يموت إنسان بقتله لنفسه وبيديه أو أن يفكر ويخطط لإنهاء حياته بقرار شخصي فهذا أمر أشد رعبا وفزعا، وقد يكون السبب الأساسي وراء الارتعاب والفزع من قرار قتل النفس هو ما يحتمله هذا الفعل من تحدي لحقائق وجودية متعلقة بمفهوم الحياة والموت، مفهوم الإيمان والمعتقد وغيرها من المفاهيم التي نادرا ما نتطرق للسؤال حولها ومناقشتها لأنها تعتبر بالنسبة إلينا مسلمات ماورائية التناول·

 في ظل المتغيرات الثقافية والاجتماعية التي تعصف ليس فقط بحياتنا نحن من يعيش في هذه البقعة من العالم ولكن بكل البشر من كل أصقاع الأرض، أصبحت حالة الفراغ النفسي والوجودي كبيرة، وأصبح الإنسان أكثر من أية مرحلة مضت يبحث عن معنى آخر لحياته ووجوده غير المعنى المتمثل في كونه ترس في آلة العولمة الاقتصادية والتجارية، تلك الآلة التي لا يمثل الإنسان بالنسبة إليها سوى سلعة يعمل على الاستفادة منها إلى أقصى درجة تصل إلى حد المتاجرة به، إن حالة العولمة بمتغيراتها المتسارعة تكاد تكون واحدة في كل العالم، وإن تفاوتت نوعا ما من منطقة لأخرى، وهي حالة يتم فيها ترحيل ليس فقط رؤوس الأموال والموارد ولكن أيضا القلق والأرق العالمي، والمشاكل الاجتماعية والأخلاقية، والفراغ الروحي والوجداني على حد سواء، فهي حالة ضد إنسانية الإنسان·

عبر الزمن كانت هناك أهداف من وراء تواصل البشر مع بعضهم البعض، وكانت هذه الأهداف متعارفا ومتفقا عليها اجتماعيا وثقافيا وحضاريا، فهي إما أن تكون أهداف اقتصادية أو ثقافية أو تجارية أو إنسانية لهدف الارتباط والزواج، في زمننا الحالي، زمن العولمة وثورة التكنولوجيا التي سهلت التواصل الإنساني بدرجة كبيرة، استحدثت أنماط جديدة من التواصل الإنساني محكومة بأهداف جديدة مرفوضة اجتماعيا وثقافيا، أهم أنماط التواصل الحديثة المنتشرة في عالمنا اليوم هو التواصل للمشاركة في الانتحار أو الاستمتاع بشكل من أشكال الجنس الافتراضي الذي أصبحت شاشة الشبكة العالمية السوق الأولى للمتاجرة والترويج له·   ما يعنيني في هذا السياق وامتداد لما ذكرته آنفا هو جماعات الانتحار التي تتواصل عبر الشبكة العالمية والمسؤولة اليوم عن إنهاء حياة مجموعة من البشر عبر العالم غالبيتهم من الشباب، هذه المجموعات التي أصبحت اليوم منتشرة بشكل مروع ويشترك فيها مئات من البشر من كل العالم، يتعاونون سويا لتسهيل إنهاء حياة كل منهم وغيرهم ممن يطلب المساعدة لقتل نفسه، لقد أصبحت هذه الجماعات محل الدراسة والمناقشة في مختلف دول العالم، ولقد ناقشت محطة الإذاعة البريطانية الـ "BBC" خلال السنوات الماضية في برامج وتحقيقات مختلفة هذه الظاهرة السلوكية الخطيرة التي أصبحت تقلق كثيرا من الأسر،  لقد استعرضت الـ "BBC" في 16/11/2003 قصص وحكايا مجموعة من الحالات التي وجدت من يشجعها ويدفعها ويعلمها كيفية الانتحار عن طريق الشبكة العالمية، وتطرقت الـ "BBC" لهذه الإشكالية بعد موت المراهق تيم بايبر منتحرا في منزله، وبعد إصرار أبيه مارتن بايبر، الذي اكتشف أن ابنه تلقى التشجيع والتعليمات للقضاء على حياته من موقع على الشبكة العالمية، على مقاضاة موقع الإنترنت الذي أخذ حياة ابنه ويقول تحقيق الـ "BBC" إن مدة قصيرة من البحث على الإنترنت تكفي للعثور على جماعات الانتحار التي أصبحت اليوم منتشرة، فهناك قائمة من قوائم الإنتحار، كما يقول التحقيق، تحدثت عن شخص اسمه سلاد وحكت عن محاولته "اللحاق بالقافلة" وهو مصطلح يستخدم بين جماعات الانتحار الالكترونية  للتعبير عن الانتحار، وكان سلاد هذا يبحث عن طريقة محددة للانتحار، بالبحث تم اكتشاف أن سلاد هذا فتاة أمريكية في العشرينات من عمرها نصحها أحد مستخدمي الشبكة العالمية، ردا على طلبها، بطريقة لقتل نفسها لم تفلح حيث تم إسعافها في اللحظات الأخيرة، بحث آخر على الإنترنت أظهر أسم شخص يسمي نفسه "بوبوروشي" وقد كتب مقالات مطولة عن أفضل طرق الانتحار، بالإضافة إلى إجاباته عن رسائل وصلته من مختلف بقاع العالم تسأله في أمور الانتحار، ولقد كتب أحد الشباب رسالة لبوبوروشي يقول فيها "إنني أريد المساعدة لقتل نفسي، أنا أعرف إنني أحتاج ذلك، لكن الشجاعة خانتني"، وقد كانت إجابة بوبوروشي، الخبير في الانتحار كما يطلق على نفسه، سريعة بتقديم وصفة مضمونة للانتحار، ويضيف التحقيق أن أعداد الشباب العازلين أنفسهم عن العالم والمتوحدين مع الانترنت في حالة تزايد في كل دول العالم، ونحن طبعا ليس باستثناء من ذلك، خبر آخر نشر بتاريخ 2/9/2006 في المحطة نفسها ذكر أن عدد اليابانيين الذين يقتلون أنفسهم عن طريق اتفاقيات الانتحار التي تعقد عبر الانترنت في حالة تزايد حاد، وأن تقارير الشرطة اليابانية تؤكد أن  91 شخصا ماتوا عن طريق هذه الاتفاقيات في 2005، بينما عدد 55 شخصا ماتوا بالطريقة نفسها في سنة 2004، و 34شخصا في سنة 2003، وبمتابعة ومراقبة شبكة الإنترنت اليابانية رصدت الشرطة اليابانية  34جماعة انتحارية الكترونية تنظم وتسهل عمليات الانتحار الجماعي، هذا بالإضافة إلى أنه تم العثور على دليل إرشادي يحدد أفضل الأماكن والطرق للانتحار· يقول البرفسور كولين بريتشارد، خبير الانتحار من جامعة بورتيموث، أن هناك خطورة في انتشار مثل هذه المواقع الالكترونية، وأن هؤلاء المشجعين على الانتحار مجهولي الهوية، ما هم إلا مرضى سيكوباثيين، وادعائهم للخبرة في المجال ما هو إلا شكل من الاغتصاب الأخلاقي لكن هذه الفئات موجودة وفاعلة ولها فلسفتها القائمة على مبدأ أن الانتحار حق من الحقوق المدنية التي يجب أن يتمتع بها كل مواطن متى شاء أن يختار ما يسمونه المخرج الأخير (فاينل إكزت)، وما يحافظ على استمرارية هذه الجماعات ووجودها الجاذبية التي تتمتع بها شبكة الإنترنت بالإضافة إلى ميزة القدرة على إخفاء الهوية·

هناك شبكات كثيرة ومختلفة عن الانتحار وأبناؤنا ليسوا بغريبين أو بعيدين عن هذا العالم، فجهاز الحاسوب والغوص في الشبكة العالمية أصبح من المهام اليومية لكل واحد منهم، والانضمام لهذه المجموعات والتأثر بها من أول إخفاقة حياتية يمكن أن يعيشها أحد هؤلاء الأبناء مسألة واردة ومحتملة، فلا أحد معصوم من أي منتج من منتجات العولمة ، ولا نحن بعيدون عن مثل هذه الإشكاليات، فنحن نعيش في حالة من الارتهان المتبادل مع الآخر·

albaharm@tahoo.com

�����
   

حمانا جبل لبنان:
سليمان صالح الفهد
"الخرافي شين وقواة عين":
عبداللطيف الدعيج
انتصارات حزب الله:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
جنديان إسرائيليان.. بس!:
فيصل عبدالله عبدالنبي
بطل من هذا الزمان:
عبد الجليل النعيمي
أحفاد من نحن العرب؟:
المحامي نايف بدر العتيبي
لبنان يشتكي من الوهن العربي:
د. عبدالواحد محمد الخلفان
الكماشة المباركة:
عبدالرحمن خالد الحمود
وبعدين..؟:
على محمود خاجه
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية:
د. نسرين مراد
هكذا يفكر "أولمرت":
عبدالله عيسى الموسوي
الطريق الافتراضي إلى الموت:
د· منى البحر
الجمال، من يضع له الدلالات؟ :
د. حصة لوتاه
أبو ريم: الإنسان المبدأ:
د. محمد عبدالله المطوع