يبدو أن الأيام تمر والزمن يمضي، بصورة سريعة، لدى البعض، وفي المقابل تمر بصورة نمطية، لا جديد بها بالنسبة للبعض الآخر، وتؤكد الحياة، أن تداخل المراحل هو أمر طبيعي، في هذا الزمن، حيث لا يتذكر الإنسان المناسبات التي مرت في حياته، أو أولئك الذين خلقوا، من أجل الآخر، سواء كان أولئك الناس من النخبة السياسية أو الاجتماعية أو غيرهما، إلا أن ما تركوه يظل راسخاً كصمود الأهرام في مصر، والقلاع في الإمارات، وكما كانوا فإنهم سيظلون جزءاً مهما من تاريخ البشرية، إن هؤلاء سيظلون كالشعلة الأبدية التي تضيء الظلمات، وتؤكد على أن الحياة هي النور، وما عدا أولئك فإنهم يذهبون مع أفول ثواني النهار، وإن الذين يحاولون جلب الانتباه بشتى الأشكال ما هم إلا شهب تحترق وتذوي دون أن تترك أثراً، في ظل المبادئ الإنسانية والتخلص من الذات الأنانية، التي ترى أن الخلاص يكمن في تحقيق طموحاتهم الذاتية، فالعالم في أحلك الظلمات حينما يكونون خارج إطار النور، وهم في الوقت ذاته لا يمتلكون أخلاقيات العلم، بل إن مقالاتهم الصحفية ونتاجاتهم الفكرية تضم عشرات التناقضات·
وهنا يبرز للسطح ذلك الصديق القديم، والذي رحل عن هذا العالم في القرن الماضي، وبعد عمر قضاه رافعاً راية التغيير، في زمن كان القديم، كان مهيئا لأن كثيرون من أبناء جيله يبحثون عن مصالحهم الذاتية، يكون في أعلى السلم، إلا أنه رفع راية الإصلاح، والعمل من أجل البشرية والإنسانية والوطن·
كان نموذجاً للعطاء الوطني والقومي والعالمي، كان عدوه الأساسي أولئك الرماديون·
في هذه اللحظة، وفي إشارة غضب، بل في حالة من الرغبة في العودة إلى عالم الواقع، طلبت من الصديق القادم من القرن الماضي، أن يبتعد قليلا عني، حتى أستطيع أن أسترسل في أفكاري، حول دور النخبة، سواء الاقتصادية أو السياسية، أو الاجتماعية، وأثرها في الإصلاح في عالمي الخاص، (دول مجلس التعاون)، بعيدا عن الواقع العربي والإسلامي، والذي قد يؤدي إلى الإحباط، إلا في حالات بسيطة حينما يذوب الإنسان في المجتمع، وهي حالات نادرة قد لا تتكرر أبداً·
في هذه اللحظة تواردت على خاطري حالات إنسانية من تلك الحالات النادرة، شخصيات تاريخية، تكرارها مرتبط بالزمن، في عالم القحط، والصحراء، ذلك التناقض بين القحط والثروة، بين الثروة، والفاقة الاقتصادية، قلما تكون هنالك قيادات تمتلك رؤية مستقبلية، رؤية تذهب إلى أبعد مما هو حاصل، أو ربما في أحسن الحالات تخطط للمستقبل·
في هذه اللحظة تبرز قيادات سياسية من هذا النوع النادر من البشر من الذين يفكرون بالمستقبل، ومنهم ذلك الرجل الذي آمن بأن الوحدة الخليجية هي المستقبل، كان ذلك الإنسان هو عبد الله السالم الصباح، والذي آمن بأن الثروة لكل العرب، وكان محط اهتمامه الأول الخليج العربي·
وأن الخطوة الأولى في هذا المجال، هي وضع العقد الاجتماعي الأول، وهو الذي وضع أسس التنمية، في استثمار المال النفطي في خدمة المنطقة، في ترسيخ التعليم للجميع، وخاصة في الخليج العربي، ولا غرابة أن مؤسس أول دولة اتحادية (الإمارات)، كان ذلك القادم من صحراء الإمارات المغفور له بإذنه تعالى زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، والذي سخر عائدات النفط أيضاً، لخلق الدولة الاتحادية الأولى، في الوطن العربي، ومن هذه القمم الإنسانية السياسية ذلك الإنسان الذي رأى أن العمل من أجل الإنسان، هو عمل من أجل خلق مجتمع جديد، في هذا الجزء من الوطن العربي، في دولة الإمارات المغفور له راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله· وهنا يبرز للسطح أيضاً أولئك الذين يعملون في صفوف المعارضة للسلطة ضمن الأطر الدستورية، أو ربما العقلية القبلية، أولئك الذين يؤمنون بأن الحياة هي التغيير الدائم، بعضهم عمل ضمن قنوات الدولة والسلطة، من أجل حياة أفضل للوطن والإنسان، وفي الوقت ذاته حفظ التوازن الداخلي·
كان حلم الجميع، أن ينعم الإنسان بحياة سعيدة، وأن يعم الخير على الجميع·
لقد تحققت أحلام أولئك في ظل القيادات الجديدة سواء في الإمارات، أم الكويت، أم قطر، أم البحرين، أم عمان، أم السعودية·
إلا أن علي القيادة الجديدة، والرؤية الجديدة، أن تكرم أولئك الذين عملوا من أجل المحافظة على العقد الاجتماعي، وأولئك الذين ظل ولاؤهم نحو القيادة السياسية والتي ظل الجميع يرفعون راياتهم من أجل الوطن وليكون الوطن للجميع، و يبقى غانم عبيد غباش، وأحمد الخطيب، وطفول، وأحمد المنيسي، كانوا من تلك الرموز الوطنية عالية القامة، لأنهم ضربوا المثل الأعلى في التفاني من أجل خدمة الوطن وتقدمه على امتداد دول مجلس التعاون·
*رئيس وحدة الدراسات-"البيان"
malmutawa@albayan.ae |