إن ما يميز دولة الإمارات العربية المتحدة، أنها تمثل الصورة المشرقة للعالم العربي، سواء في المجال السياسي، أو الإعلامي، أو التنموي، أو حتى الاقتصادي، هذه هي الصورة العامة للدولة، أما عندما نركز على مدينة دبي، وهي جزء مهم من الدولة الاتحادية، فإن الصورة قد تكون انعكاساً للرؤية الجديدة، وللعالم الجديد، فإنها المدينة التي تسابق الزمن، حتى تظل في حلبة التنافس من أجل الريادة على المراتب الأولى·
وضمن الحرص على أن تكون في المقدمة، والتأكيد على أن الإنسان هو المهم، سواء كان النفط وعائداته هو المحرك، أو الاعتماد على العنصر البشري الذي يخلق العائدات ويولدها· وهذا ما حرصت عليه دبي عندما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن الأرض تولد ذهباً· وها هي فعلاً تولد ذهباً· حيث إن الناتج المحلي من غير البترول لإمارة دبي يبلغ أضعاف الناتج المحلي لكثير من الدول العربية·
إن الإرادة البشرية هي التي تخلق العائدات المالية، ومن هنا كانت الرؤية نحو عقد المنتدى الإعلامي العربي· لن تكون هناك مبالغات إعلامية، حينما يتأكد الجميع أن هذا المنتدى الإعلامي العربي، هو الوحيد من نوعه، والذي تجتمع فيه العقول الإعلامية العربية والأجنبية تحت سقف واحد، وفي ظل توجهات سياسية ذات بعد عالمي، هذه المظلة هي توجهات الدولة الاتحادية تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هي القيادة التي تؤمن بأن الحوار بين القيادات السياسية والإعلامية هي التي تشكل المرآة في العالم الحر· وأن العالم ضمن التطورات التكنولوجية الحديثة لا يمكن التعامل معه إلا من خلال الحوار الحضاري·
لقد عمت الجلسات المختلفة للمنتدى، روح الحوار والنقاش بين مختلف أطياف الرؤية الإعلامية، والاجتماعية والاقتصادية، ومختلف الاتجاهات الفكرية التي تسود الساحة الإعلامية، كانت ساحة المنتدى مقدمة للحوار والنقاش، سواء في الجلسات ضمن البرنامج المعد من قبل معدي المنتدى، أو من خلال الحوارات التي يشارك فيها كل من تضمهم القاعة، أو حينما يتناول الجميع القهوة أو غيرها من المشروبات، إلا أن الهم الإعلامي والوطني هو الأساس في تلك الحوارات·
إن فكرة المنتدى الإعلامي، هي في الأساس، لفتح القنوات بين صانعي القرار، والرأي العام في الوطن العربي·
على مدى يومين من الزمان، تلاقت فيهما الأفكار والرؤية بين العاملين في أخطر وأهم المهن، وهي الأداة التي تؤثر في حياة الخاصة والعامة للأمم، فما بالك إذا كانت هذه الأمة هي الأمة العربية، في ظل قيادات جديدة ترى أن التحدي الحقيقي هو التأكيد على البقاء، بل والإصرار على التمييز من أجل الحياة·
يبقى أن التحدي الحقيقي للترسانة الإعلامية يقع بين أساس تطوير المؤسسات، في مقابل تطوير الكفاءات الإعلامية، وهي معادلة صعبة في ظل عالم جديد، بين معادلة الإعلان والإعلام، وحين ذاك تضيع المعادلة الأساسية في عالم الإعلام، والمقصود هنا أين هي معادلة الأخلاق المهنية، أو القانون الذي يحكم رأس المال وقانون المهنة، والخطورة الحقيقية حينما يتحكم المال، بروح المهنة، وهذه المهنة هي من المهن الخطرة، ليس فقط على العامة، بل على الخاص، والمقصود بذلك أن السلطة السياسية هي التي تضع معايير أخلاقية للمحافظة على العقد الاجتماعي، وعلى استمرار الحياة المتوازنة بين حدي سيف الموازنة بين صدقية وجودة المضمون والربحية، أو على الأقل القدرة على البقاء في ظل أوضاع يتحكم فيها المعلن الذي يوجه إعلانه ذات الشمال وذات اليمين ضمن الهوى السياسي الذي يمثله المعلن أو يتبناه· وقد تناول باحثون المافيات التي تتحكم في سوق الإعلانات في الدول العربية وتالياً بمصير المؤسسات التلفزيونية، أما الذين يهربون من تلك المافيات فسيقعون تحت سيطرة الدولة التي تمول بعض المؤسسات الإعلامية وتهيمن على توجهاتها· إنها بالنسبة للإعلام معركة استمرارية الحياة والعطاء·
الأوراق التي قدمت في المنتدى غنية ومتنوعة، أكثرها تناول الإعلام العربي بمبضع الجراح، لم يرحم فيه أحداً، حتى أن أحدهم وصف الإعلام العربي بالضجيج، ولكنه ضجيج بلا فائدة·
أنا لا أريد في هذه العجالة أن أتناول مدى صحة هذا الطرح من عدمه· ولكنه بالتأكيد هم يشغل جميع الذين يعملون في الإعلام، والذين يريدون أن يكون لهم دور ريادي حر· إن مثل هذا الدور قد يكون ممكناً عندما يطور الإعلاميون أداءهم وتطور وسائل الإعلام أداءها، عندها قد يكون من الممكن أن يتحكم الإعلام في الإعلان·
لقد كانت الدول الإسكندنافية، في ظل أجواء الحرب الباردة تدرك أهمية المحافظة على دولة الرفاة، والتي توازن بين التناقضات الفكرية، فهل ندرك الآن أهمية المحافظة على جدليه العلاقة بين الإعلام والإعلان، وأن ندرك أن عدم التوازن قد يخلق عالماً جديداً من الفوضى التي نرجو أن لا تسود في العالم الحديث، وفي دول تحاول أن تجد لها موضع قدم في ظل عدم العدالة، وسيادة الفوضى العالمية، التي تعزز مبدأ البقاء للأقوى وليس للعدل·
إن العدالة هي الأهم من الربح المادي المؤقت، الذي قد يؤدي إلى كارثة تؤدي إلى غرق الجميع لمصلحة ذوي الرؤية الضيقة· أولئك الذين يبحثون عن الانتماء الواهم·
في الحفل الختامي، والذي تم فيه تقديم الجوائز، تلك التي كرمت الكثير من العاملين في المجال الإعلامي، وهم ممن قدموا للإعلام العربي الكثير من أجل تطوير الوعي العربي بأهمية المهنة في مجال السلطة الرابعة· والذين عملوا بإخلاص شديد لرفع راية الكلمة الحرة، وظلت أقلامهم سلاحاً أقوى من الرصاص، في سبيل الحقيقة، وكشف الأوهام·
عدت بالذاكرة إلى الوراء لثلاث شخصيات عرفتها عن قرب، وتعاملت معها في مراحل مختلفة من العمر، وتمتد إلى ثلاثة عقود من الزمان، وثلاث مراحل مختلفة، تذكرت الأستاذ الفاضل محمد مساعد الصالح·· ذلك الإنسان الذي ظل وفياً لقلمه لمدة تقارب نصف القرن، وتحديداً في جريدة "الوطن" الكويتية، حينما كان رئيسا لتحريرها، والصفحة التي كانت تهتم بشؤون الخليج العربي حين ذاك· كان المعلم والأستاذ والذي يرشد من دون استخدام السلطة، والذي تعلمنا منه الكثير··· جميل جداً أن تقدم جائزة الصحافة العربية تكريماً له في فئة العمود الصحافي, وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود ما يزال يسأل عمن عمل معه في تلك الفترة، وهو بحق يعتبر شيخ الصحافيين الكويتيين، شعرت بمدى الفرح الذي أشع في وجهه وهو يستلم جائزة الصحافة العربية في دبي·
أما الشخصية الثانية والتي نالت جائزة الصحافة العربية شخصية العام الإعلامية، فهو الأستاذ عثمان موسى العمير القادم من مدينة الزلفى في إقليم نجد، ذلك الإنسان الذي خرج من الصحراء إلى المدينة الضباب، لندن، عاصمة الإعلام، والتحدي، وكانت الصدف هي التي ساهمت في خلق حوارات حول الهموم العربية والثقافية في مطلع الثمانيات من القرن الماضي·
حينما كنت طالباً في مرحلة الدراسة والإعداد لأطروحة الدكتوراه في بريطانيا·· لقاءات بسيطة إلا أنها ظلت في الذاكرة, وحينما قام في العام 2001 بتأسيس موقع صحيفة إيلاف الإلكترونية، عادت بي الذاكرة لتذكر ذلك الإنسان بعد عقدين من الزمان، لقد كانت تلك الخطوة تؤكد على أن الإنسان في الجزيرة العربية، قادراً على قراءة المستقبل، وها هي إيلاف اليوم تعطي النموذج لقدرة الإنسان على العطاء وكسر حاجز المألوف والدخول في الألفية الجديدة برؤية جديدة·
وهنا يتضح أن القائمين على جائزة الصحافة العربية، قد أدركو من خلال هذا التكريم، أن العطاء الإعلامي في القرن الجديد لا بد من تكريم الرواد في مجال الإعلام الإلكتروني·
أما الشخصية الثالثة فهي للإنسان الرائع، والإنسان الموقف جوزف سماحة، فهو الذي رحل قبل الأوان فحياته عبارة عن نضال من أجل العدالة والحرية، ودفاع عن الإنسان المقموع، والمقهور، ظلت قناعاته هي التي تخط مقالته حتى في المقال الأخير له حينما أكد أن الصحافة والقلم مسؤولية الإنسان الحر، ظل الجميع سواء من الأصدقاء أو المخالفين له في الرأي يحترمون ذلك الإنسان الذي ظل ديمقراطياً في سلوكه طوال حياته··· كان وما يزال مدرسة لمن يريد أن يكون إنسانا في عمقه وسلوكه اليومي، كان وللأبد مخلصاً للوطن وللإنسان ·
كانت لحظات التكريم شريطاً من الذكريات إلا أن تكريم هؤلاء، هو تكريم للأقلام والشخصيات التي تعمل من أجل الإنسان·
أخيراً وليس آخراً, لا بد من الإشادة بكل العاملين في جائزة الصحافة العربية، وتحية لأبناء هذا الوطن العاملين في نادي دبي للصحافة، هذا هو الإنسان في وطن الإنسانية·· الإمارات العربية المتحدة·
المنتدى الإعلامي قدم الكثير، لكن أهم ما فيه أن مسؤولين على مستوى الريادة مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كانوا يسمعون ما يطرح، ويتعرفون على هموم الإعلاميين العرب· وهذا يعني الكثير بالنسبة للطامحين في إعلام عصري ومتقدم وحر·
* رئيس وحدة الدراسات - البيان
malmutawa@albayan.ae |