ها نحن نستعد للدخول في أجواء عام جديد، هو العام السابع من الألفية الجديدة، أو بالأصح هو السابع في القرن الجديد، وربما يكون للرقم بحد ذاته دلالات متعددة في العقلية البشرية، ومن هنا فإن العام القادم وفق ذلك قد يكون محملا بالكثير من الأحداث والتغيرات، سواء في جوانبها السياسية أم الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية، مما يعكس أثره على المجالات الثقافية أو الرياضية، وهنا قد ندخل مجال الرؤية المستقبلية للعالم، تلك الرؤية التي تعتمد بشكل أساسي على الاستنتاج المنطقي والعلمي· إلا أن الجوانب الذاتية لكل محلل أو مفكر سوف تتضح بشكل مباشر أو غير مباشر، عند الدخول في مجاهل العام القادم أو في تحليل ما جرى في العام الحالي من تطورات وأحداث· وتبقى حقيقة واحدة : إن الحياة ستستمر على الرغم من كل ذلك، سواء بالسلب أم الإيجاب·
إلا أن الإنسان بطبعه يبحث عن فك الطلاسم، والغوص في أعماق الماضي، على الرغم من أنه يعيش انطلاقة المستقبل، فالعوامل الاقتصادية والاجتماعية هي التي تشكل المشهد السياسي العام، وفي هذا السياق تظل المقولة التاريخية "كما تكونوا يولَ عليكم" حقيقة حتى يتم إثبات عكسها، ولعل التاريخ البشري يؤكد على صدقها·
من المعلوم أن الحديث عن عامين، أو سنتين، يشبه التعامل مع الثلج والنار، بين الواقع الذي يؤكد على أن أحلام البشرية في العيش بسلام باتت شبه مستحيلة، فالعالم تسوده الحروب والنزاعات المسلحة، من العراق إلى فلسطين مرورا بلبنان وأفغانستان، وأجزاء كثيرة من أفريقيا· وعلينا ألا ننسى تلك التحولات السياسية في الحديقة الخلفية للإمبراطورية الأمريكية الحديثة، ومن هنا كان الحلم القديم، بتحقيق حياة حرة تخلص الشعوب من ظلم الإمبراطوريات على مدى التاريخ، قيد التنفيذ، وفي الوقت نفسه نجد الحمم البركانية الملتهبة تنصبّ فوق رؤوس أولئك البشر الذين يعيشون في بؤرة الصراع بين القوى المختلفة، وخاصة في ظل عدم وجود دائرة عدم الانحياز·
إن المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تؤكد على اتساع الفجوة عالميا، بين معظم المجتمعات البشرية، وإن المنطقة المحايدة، اجتماعيا، في تقـلص دائم، ونحن نعني هنا الطبقة المتوسطة التي تحافظ على توازن المجتمع الإنساني، وتترك مجالا للحراك الاجتماعي في معادلة الصراع والاستقرار·
ألا تدل المظاهرات التي تشهدها دول العالم - المتقدمة والنامية على حد سواء - على وجود خلل في النظام العالمي الجديد؟ ولعل أغلبها يتركز في الدول الصناعية، والتي وصلت فيها نسبة التعليم إلى مستوى عال جدا، وفي المقابل تدل نتائج المشاركة السياسية على انحياز الأغلبية نحو مشروع دولة الخدمات، وإن البشرية بحاجة إلى من يقدم لها الحد الأدنى من الحياة الكريمة· وقد أصبح العالم في ظل المتغيرات العلمية بحاجة إلى العيش بسلام، وإن عصر الازدواجية يجلب الهلاك لهذه الكرة الأرضية الجميلة·
ألا يتذكر العالم بأن البشرية عانت كثيرا من الحركات النازية والفاشية والإمبراطوريات التي لا تقهر؟ فما بالك بالحركات الصهيونية، أو الإيديولوجيا ذات البعد الواحد، سواء أكانت إسلامية أم مسيحية أم يهودية؟! إنها في نهاية المطاف تتفق، في السياق العام، بأنها تسعى إلى فرض الرأي الواحد وبأن الحياة لها والموت للأطراف الأخرى·
ألم تكن الحركات المتطرفة نتيجة لذلك الخلل في التحليل؟ وهي التي خلقت أجواء الإرهاب بكل معانيه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية ألم يكن تطرف المؤسسة الدينية في أوروبا سببا في إشعال الثورة الفرنسية التي أنتجت "كومونة" باريس بأفكارها الإنسانية العظيمة، والتي آلت فيها الأمور من سيء إلى أسوأ بعد أن سادت التصفيات صفوفها وأصبحت كالقطة التي تأكل أبناءها· ومن ثم الثورة الروسية التي بشرت بالعدل والمساواة وإنهاء الظلم، لتنتهي إلى وضع يحكم الاتحاد السوفيتي مكتب سياسي لحزب، ومن ثم أمين عام للحزب، لينتهي الأمر إلى الانهيار، لأن الناس لم يرضوا بإبدال قيصر بقيصر حتى لو كان باسم جديد وشعار جديد، وفيما بعد في بقية أنحاء العالم، وفي جميع الحالات رفض الإنسان الحكم المطلق واختار التعددية حتى لو أدى ذلك إلى فقدانه الكثير من مكاسبه الاقتصادية·
ألا تدرك الموجة الجديدة المنتشرة في العالم بأن العام القادم، سيكون عام التحرر من الإمبراطورية الجديدة؟ سواء أكان ذلك في الحديقة الخلفية لها، أم في أرجاء المعمورة كافة·
ألا تدل نتائج الانتخابات الحرة، سواء في فلسطين أم العراق أم في أمريكا اللاتينية، على أن هناك حركة مضادة لهيمنة القطب الواحد؟
أيها الفاضل، هل لك أن تعود إلى الواقع بعيدا عن أحلامك الورديـة، ورؤيتك المثالية لعالم العام الجديد؟ عد إلى الواقع بعيدا عن الأحلام، وبعيدا عن الرؤية التنظيرية للعام الجديد، هذا ما يطرحه العدو والصديق في آن معا·
حينما برز من خلال خيوط الفجر الأولى، وكأنه يعلن بروز عام جديد وبروز حقائق جديدة، ويريد أن يؤكد على أن الأرقام لها دلالاتها، وعلى أن الحياة جميلة، وهنا بدأ بالكلام المباح، فأخذ القلم وبدأ بالكتابة على الرغم من الخطوط الحمراء والخضراء كلها، وتخطى الخطوط الصفراء، وهي علاقة تجمع بين نهجين متناقضين، بين المسموح والممنوع !!
إن العالم يمر بمرحلة حرجة من تطوره التاريخي، بين التطور العلمي الهائل في العلوم الطبيعية، وبين الهيمنة في علومه الاجتماعية، إن التناقض بين العالمين، هو الذي يجعل هذا العالم يعيش في حالات الاضطرابات، وبين الحلم والحقيقة، بين إنسان يبحث عن الحقيقة، وآخر يحاول طمسها، وربما يمتلك التقدم والوسائل والآليات اللازمة لذلك، إلا أن النتيجة النهائية تجعل العالم في حالة اضطراب وعدم استقرار، وربما أدى ذلك إلى صراع لا يترك مجالا للحياة السعيدة من جديد·
في هذه اللحظة من لحظات صراع الحق والباطل، يعود ذلك المزعج من جديد، حاملا الرقم سبعة، ليؤكد على أن العالم سيدخل في عالم جديد، وبرؤية جديدة، وبحلم جديد، يسعى إلى تحقيقه بالتي واللتيا·
عالم يحلم فيه الإماراتيون بأن تدخل المرأة معترك الحياة السياسية بكل قوة، وذلك من خلال المجلس الوطني الاتحادي، أو في المجالس التشريعية في دول مجلس التعاون الخليجي كافة، وبترسيخ مفهوم المواطنة على مبدأ الرعايا· ومن جهة أخرى سيادة الوطن الواحد لأبناء الرافدين في العراق، وطي صفحة الديكتاتورية في ذلك الوطن الجميل، والانتهاء من المرحلة الطائفية أو العرقية ، في مكان لديه كل مقومات الوطن الحر والمتقدم، والنموذج المثالي للتنمية، إنه وطن النفط والماء والأرض والإنسان، نموذج جديد لحضارة جديدة في قرن جديد· أما فيما يتعلق بأرض العطاء، فلسطين، فإن الأمل يكبر ويكبر بأن يبرز للسطح نموذج جديد لأرض تجمع الشرق والغرب، في ظل حلم تاريخي للتعايش بين الماضي والحاضر··· إنه المستقبل للرقم المقدس·
أليست هذه أحلام يعيش بها الإنسان في مطلع عام جديد؟ يحاول من خلالها أن ينسى العام المنصرم، إلا أن ذلك الحلم الجميل للعام الجديد هو الذي يحمل الرقم السابع، وهو رقم مقدس في التاريخ البشري كله، قد تكون الأحلام أكبر منا، ولكن بالتأكيد نحن نكبر معها، وكم من حلم نظر إليه على أنه مستحيل أصبح اليوم حقيقة، وإلا فمن كان يعتقد قبل مئة سنة أن تصل العلوم إلى ما وصلت إليه اليوم ؟ ومن يدري فقد يصبح العام الجديد مفصلا جديدا في حياة البشرية ربما تذكره سنوات وسنوات، إنه الحلم، أيها السادة لا نريد منكم أكثر من أن تتركونا لأحلامنا·
وكل عام وأنتم بخير،،،
رئيس وحدة الدراسات-"البيان"
malmutawa@albayan.ae |