هاقد انتهى العرس الديموقراطي الأول في الإمارات، تجربة جميلة أحدثت ذاك الحراك السياسي، وزينت شوارع المدن الإماراتية بصور جميلة لأولئك الإماراتيين الحالمين بالوصول إلى عضوية المجلس الوطني الاتحادي، سواء أكانوا من الذكور أم الإناث، بهدف المشاركة في عملية التنمية السياسية، ولأول مرة في تاريخ الإمارات·
لقد أكدت الأجواء السياسية التي سادت فترة الانتخابات على أن الإماراتيين يبحثون عن فرصة يؤدون من خلالها بعض واجباتهم تجاه الوطن، ولم تكن مشاركة هذا العدد الكبير منهم في عملية الترشيح أمرا غريبا، و يدل هذا على أن الوعي السياسي لدى الإماراتيين قد وصل إلى درجة عالية، وأن هذه البقعة من الوطن العربي تمتلك كل مقومات النجاح وخاصة بعدما أكدت الدولة الاتحادية على أن الوحدة والتلاحم هما المستقبل·
كان النموذج الإماراتي منفردا في خلق حلم الوحدة، وحلم القيادة التاريخية بالاستمرار في منطقة الأزمات العالمية، منطقة تعتبر محطة للصراع بين كل الإمبراطوريات على مدى التاريخ، إلا أن الإرادة والحنكة السياسية كانت المنقذ لها في كل المراحل·
لقد كانت هذه المنطقة المحطة الأولى، وربما الأخيرة، في كل التغيرات في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص، إلا أن الرؤية الجديدة وكذلك التخطيط السليم المتماشي مع التطورات الجديدة، جعلا منها ساحة لتعلم كيفية التفكير في المستقبل، ولاسيما إذا تذكرنا أنها كانت تعتمد على الثروة الناضبة، وهي النفط، ولم يكن من العفوية التفكير في مرحلة ما بعد النفط، وقد تجلى ذلك في استخدام عائدات النفط في الاستثمارات الخارجية، منذ العقد السادس من القرن الماضي، إلا أن هذا الأمر اتخذ منحى استثماريا جديدا نحو الداخل في بدايات الألفية الجديدة فقد أصبحت الإمارات جاذبة للاستثمارات الخارجية لما تمنحه للمستثمرين من ثقة وأمان·
لقد جاء القرن الجديد جاء بأفكار عالمية واتجاهات دولية جديدة، ظاهرها الالتزام بحقوق الإنسان، ومبادئ العدل والمساواة، وهي من إيديولوجيات العالم الجديد، ولكنها في حقيقة الأمر تخفي أهدافها الحقيقية والمتمثلة في السيطرة على مصادر الطاقة، وكان لزاما لمتطلبات المرحلة الجديدة التخلص من آثار المراحل السابقة، وفي الوقت نفسه طرح برامج جديدة·
لم تكن الرؤية عفوية على المستوى الدولي، بل إن هناك فرق عمل قد ساهمت في دراسة رد الفعل، وقامت بقراءة حقيقية لطموحات الشعوب، في العراق وأفغانستان وغيرها من الدول، آخذة بعين الاعتبار أن شخصية المنقذ سمة أساسية في الحضارة الإنسانية، وأن حالة اليأس من الأوضاع القائمة قد انتشرت، مما أدى إلى تغلغل الإحباط إلى عقول البشر في جنوب العالم·
إن العالم يبحث عن المساواة والعدالة والحياة الكريمة لإنسان القرن الجديد!!
في ظل هذه الأجواء، المحلية، والإقليمية، والعالمية، كانت الإمارات تخطو خطوات متقدمة في مجال التنمية الاقتصادية، آخذة بعين الاعتبار أن العالم يتقدم بخطوات نحو عالم بلا نفط، وأن هناك آفاقا جديدة لعالم جديد، تبحث فيه الأمم والشعوب عن مصادر جديدة للدخل، تتمثل في الاستفادة من التقدم العلمي في المجالات الصحية والمالية والعقارية والسياحية، ولعلها نجحت في الدخول إلى العالم الجديد، وأصبح برج العرب في دبي علامة دولية يعرفها أبناء المعمورة من أقصاها إلى أدناها،
وأصبح هذا الرمز المعماري دليلا على التواجد على خارطة العالم·
إلا أن التنمية السياسية كانت هما من هموم القيادة السياسية منذ عقد من الزمن، وظل ذلك الهم ينتظر الظروف المؤاتية للتنفيذ، ولم تكن التجارب الإقليمية والقومية والعالمية مشجعة على اتخاذ القرار، فقد كان استغلال الديموقراطية، وسوء استخدام التنمية السياسية عاملين مؤخرين في اتخاذ القرار، إلا أن حماس القيادة السياسية الشابة في هذه المرحلة الجديدة من عمر الدولة الاتحادية، ساهم في اتخاذ القرار نحو انتهاج الغوص في أعماق التنمية السياسية، ولكن بنظرة جديدة، ورؤية تعتمد على اتخاذ الخطوات المدروسة، التي يمكن أن تكون بطيئة في إجراءاتها، إلا أن الهدف الرئيس لها هو النجاح في رسم نموذج جديد يستند إلى خصوصية المجتمع، مما أدى إلى أن يكون هذا النموذج متفردا ومخالفا لكل ما هو سائد على المستويين الإقليمي والعالمي·
إن القراءة الأولى لنتائج الانتخابات على مستوى الإمارات، تؤكد - بصورة أولية - على عدة حقائق، في هذه المرحلة المهمة من مراحل تطور الدولة، والاتجاه نحو التنمية السياسية، وخاصة بعدما أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، على أن تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي هو من المهام الرئيسة في هذه المرحلة، وهذه الحقائق التي أكدتها الانتخابات هي:
أولا - لقد شهدت الساحة السياسية حراكا واضح المعالم، من خلال الحملات الانتخابية، والمقالات والندوات التي أكدت على الوعي السياسي لدى الإماراتيين· وكل من تابع تلك الحوارات وغيرها، يدرك أن هموم الإماراتيين واحدة، سواء أكانوا من سكان المدن أم من سكان المناطق النامية·
ثانيا - لقد أثبتت المرأة الإماراتية وجودها السياسي خلال فترة الانتخابات، سواء من خلال اللقاءات الصحفية، أم التلفزيونية، أم من خلال اللقاءات المختلفة مع الهيئات الانتخابية، هذا الوعي وذلك النشاط يؤكدان على أن الإماراتية قد تخطت مرحلة المراقبة ودخلت في حلقة الفعل، والتأكيد على أنها جزء مهم من العملية السياسية، ولعل مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "إن المرأة هي روح المكان" ماهي إلا قراءة عميقة لدور المرأة في المجتمع·
ثالثا - قامت اللجنة الوطنية للانتخابات، بقيادة معالي الدكتور أنور محمد قرقاش، وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني، بدور تنظيمي ممتاز، من دون مبالغات، وقد أدرك كل من شارك في العملية الانتخابية أو تابعها ذلك، ومن المؤكد أن هذا النجاح يؤكد على أهمية العمل الجماعي والمنظم ولاشك أن هناك بعض السلبيات ولكنها قليلة جدا ومن المؤكد أن تلافيها في المرات القادمة أمر بسيط جدا· لقد ثبت بالملموس أن إجراء الانتخابات بطريقة الانتخابات الإلكترونية قد نجح، مما يؤكد على أن الإدارة الحكومية تستخدم أحدث الوسائل العلمية، وهذا إنجاز يسجل لمنظمي العرس الديموقراطي في الإمارات·
رابعا - أكدت وسائل الإعلام الخارجية على نزاهة الانتخابات، وأن المرحلة الأولى من مراحل التطور السياسي في مجال المجلس الوطني الاتحادي قد تمت بسلاسة ومن دون مشاكل تذكر، وكان للمرأة دور هام وملحوظ، وقد حملت النتائج النهائية للانتخابات بعض المفاجآت لعل من أبرزها فوز الدكتورة أمل القبيسي، كأول عضو منتخب في المجالس الوطنية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أكد هذا الإنجاز على الرؤية المستقبلية للقيادة السياسية في الإمارات·
خامسا - يبقى أن نؤكد على أن الجزء الأخير من هذا العرس الديموقراطي سيكتمل حين تكتمل أجزاء العقد الديموقراطية عندما يقوم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، باختيار النصف الآخر من أعضاء المجلس الوطني، ومما لاشك فيه فإن روح المجتمع سيكون لها وجود فاعل في التنمية السياسية المقبلة·
وختاما نوجه التهنئة لكل الإماراتيين بهذا العرس الديموقراطي الحقيقي، والأمل معقود على أطفال اليوم، ذكورا وإناثا، للاستفادة من هذه الأجواء في المستقبل·
*رئيس وحدة الدراسات - البيان
malmutawa@albayan.ae |