منذ انعقاد المؤتمر الوطني الأول في الإمارات، والذي خصص لمناقشة القضايا العامة في جلسات عقدها حينذاك اتحاد الكتاب والأدباء في الإمارات، في القرن الماضي، حين كان الاتحاد ذا نشاط ملحوظ، (ولا يزال كذلك)، حيث خصصت الجلسات لمناقشة الكثير من القضايا الوطنية بالإضافة إلى تناول هموم المثقفين في ذاك الوقت· و كان الأمل أن ينعقد المؤتمر مرة كل عامين، متزامنا مع موعد إجراء انتخابات مجلس إدارة جديد، إلا أن ظروفا ذاتية وموضوعية حالت دون تحقيق ذلك، ودخل مشروع القضايا الوطنية في سبات عميق امتد لسنوات، إلا أن النخبة المثقفة أكدت حرصها على مناقشة قضايا الوطن والمواطن، وأكدت على أن الوطنية تتمثل في الدرجة الأولى بالإخلاص للوطن، والانتماء إليه، وظل هم هذه النخبة الثقافية،في الفترات السابقة، أن تعقد مؤتمرا أو لقاء عاما فيما بينها لمناقشة هموم الوطن والمواطن، وظهرت كتابات هنا وهناك تدعو إلى إعادة فتح الحوار من جديد، وبادرت جريدة البيان إلى عقد ندوة حول رؤية الإمارات في القرن الحالي، طرح من خلالها كثيرا من القضايا الوطنية تحت مسمى "الإمارات رؤية مستقبلية"·
كانت باكورة البيان في ظل رؤيتها الجديدة، الصراحة والمكاشفة، والطرح الجديد، وهذا ما يمكن اعتباره شعار مرحلة جديدة توائم المتغيرات الجديدة، مؤكدة على أهمية الدراسات المستقبلية، والتي تبحث عن خطط استراتيجية في ظل عالم جديد·
إن من الواضح أن هنالك عودة إلى طرح جديد للهموم الوطنية في جميع المجالات، ومن قبل كل الأطياف السياسية، أو الاجتماعية، رؤية تحاول قراءة مستقبل هذا النموذج الفريد للعولمة بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية·
لقد طرحت مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من قبل مجموعة من المواطنين الإماراتيين، هم في نهاية المطاف نتاج للدولة الاتحادية، أو بعبارة أوضح، هم الجيل الأول من الإماراتيين الذين أدركوا أهمية أن تكون لهم دولة واحدة تجمعهم وتحمي مصالحهم وتعمل على توفير العزة والكرامة لهم · دولة قوية على الرغم من صغر حجمها السكاني قياسا بالدول الأخرى، ولكنها قوية بإرادة شعبها وحكامها الذين يضعون مصالح شعبهم ومصلحة الأمة العربية والعمل العربي الموحد في المقام الأول· وبمعنى أوضح يؤثرون ما هو عام على ما هو خاص·
وقد أثمرت هذه التجربة عن خلق جيل من ذوي الخبرات، ومن حملة المؤهلات العلمية،جيل يستطيع أن يحدد المشكلة وأن يضع الحلول لها·
لقد حركت تلك الندوة المياه الراكدة من جديد، وكأنها تعيد للأذهان الأجواء التي سادت أواخر السبعينات من القرن الماضي، وبرزت هموم الوطنية من جديد، حتى قبل أن تقدم البيان على هذه الخطوة !!
كان من الواضح أن هناك رؤية جديدة لهذا المجتمع ترى أن طرح كل القضايا على طاولة النقاش، هي إحدى ملامح المرحلة المقبلة، وأن هناك من يخطط للانتقال إلى مرحلة جديدة، وكانت المفاجأة أن هناك من كان يخطط للمرحلة القادمة بهدوء تام، وفق خطة مرسومة لمجتمع يعتبر محط أنظار العالم، ولانكون مبالغين إذا اعتبرنا أنه مركز الرؤية لعالم جديد، عالم يكسر حواجز التواصل الثقافي والاجتماعي، إنه مجتمع الإمارات، هذا المجتمع الذي دأب على التفاعل مع الآخر، حتى بات المجتمع المحلي مهددا بالزوال، حيث إن المواطنين يشكلون %25 من التعداد السكاني للدولة في أحسن الأحوال ·
في هذه المرحلة أدركت وزارة الثقافة والشباب والتنمية أن الأوان قد حان لعقد المؤتمر الوطني الأول للثقافة، هذا المؤتمر الذي خصص لمناقشة مجموعة من القضايا الوطنية في مرحلة العولمة وفي العهد الجديد والقيادة الجديدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبالفعل فقد عقد المؤتمر في مدينة العين، المدينة التي مارس فيها زعيم الأمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله أولى مهامه التاريخية في ترسيخ مبدأ أن الزعيم هو الذي يقدم الحلول لمشاكل الأمة،وأن عليه أن يعيش وسط شعبه بشكل يومي معطيا نموذجا للآخرين بأن القيادة عمل دؤوب لبناء مستقبل الأمة·
في مدينة الزهور والنخيل، كما أحب أن اسميها بعد علاقة دامت ما يقرب من ربع قرن من الزمن، تحاور أبناء الاتحاد وثمرة مجهودات الوالد المؤسس، على مدى يومين في جو من الحرية والصفاء والتحلل من كل القيود· وكان من ثمرات ذلك اللقاء الحوار الصريح مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، ذلك الإنسان الذي اتضح أنه يحمل هموم المواطن الإماراتي في القرن الجديد، كما أثبت أن الخوف على الوطن هو هم الجميع سواء أكانوا من الأسر الحاكمة أم من المواطنين البسطاء، وأن التركيبة السكانية هي الهم الأساس، وأن تنظير سكان الأبراج العاجية ليست هي الهم الوطني، بل إن هناك رؤية ترتكز على الواقع وعلى معطياته، تعرف بأن هناك مشكلة، ولكنها في الوقت نفسه تعرف أن هناك شعبا وأن هناك حكومة وهما قادران على تحمل المسؤولية كاملة في الوصول إلى حلول ناجعة، لاتفقد عملية التنمية زخمها ولاتقف في وجه التطور والتقدم، وفي الوقت نفسه تحمي الوطن والمواطن وأن المستقبل سيكون أكثر إشراقا· كم كان ذلك اللقاء أخويا وحميميا مما أدى إلى إزالة الحواجز بين القيادة الشابة وحاملي الهم الوطني·
كان من أجمل ملامح ذلك اللقاء التواضع، ومشاركة أبناء الوطن من الذكور والإناث في الحوار البناء والمثمر، وفي إدراك أن مسؤولية النهوض بالوطن تقع على عاتق الجميع، وأن العين المدينة التاريخية التي كانت موئل باني نهضة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، مازالت تتجدد برؤى جديدة وأفكار جديدة في عهد أبنائه الذين حافظوا على العهد، وهاهم يسيرون بالإمارات خطوات وخطوات نحو الأمام· لقد أكدت العين فعلا أنها مدينة الزهور، أنثوية كانت أم ذكورية، كان اللقاء الأول بين أطياف الوطن كلها، وكانت وزارة الثقافة والشباب والتنمية هي الجامعة لأطياف قوس قزح الإماراتية دور جديد لوزارة الثقافة يأمل الجميع أن يتطور مع تقدم الزمن بحيث تصبح وزارة الثقافة دافعا أساسيا لبناء النهضة الثقافية التي أرسى قواعدها الشيخ عبد الله بن زايد وزير الثقافة والإعلام السابق ·
لقد أثبت هذا اللقاء أن التواصل بين الأطياف يصب في مصلحة الوطن والمواطن، مما يؤدي إلى تثبيت النموذج الإماراتي على أنه نموذج يقلده الآخرون·
جامعة الإمارات |