رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 يونيو 2007
العدد 1779

احترام العقل الإنساني
د. محمد عبدالله المطوع
malmutawa@albayan.ae

لا تزال بعض الأقلام، ذات الاتجاهات المختلفة، تسعى للنيل من التأريخ العربي والإسلامي، موظفة في طروحاتها  أحداثاً أو مناسبات مجتزأة من تأريخ هذه الأمة التي تسعى لأن يكون لها موضع قدم في التأريخ الحديث للبشرية·

تلك الأقلام أو الشخصيات لا تدرك أن الأمم الأخرى لا تحترم من لا يقدر تأريخه الذاتي، وأن جلد الذات والتركيز على الجوانب السلبية في هذا التأريخ، هي مؤشر على عدم احترام الذات· إن الأمة العربية خاصة والأمة الإسلامية بصورة عامة، قد مرت بمراحل مختلفة فيها انتكاسات وفيها هزائم إلى جانب البريق الذي صاحب صعود هذه الأمة في الماضي، وهذا الحال  يتشابه مع  حال أمم أخرى· فتأريخ البشرية يتذكر تلك المراحل، منها مراحل العصور الوسطى التي مرت بها أوروبا، ومراحل التخلف الأخرى التي مرت بها الأمم في الشرق أو الغرب على السواء·

ألا يتذكر أولئك المطبلون للغرب في كل مناسبة بعضاً من سلوك مؤسساته في الماضي، ألا يتساءلون عمن أصدر صكوك الغفران، ومن نصب مشانق التعذيب، ومن حرق العلماء، وحرم الشعوب من التعرف على فكرهم النير؟! هل كانت محاكم التفتيش مشرعة أبوابها في بلد عربي أو إسلامي أم في البلدان الأوروبية، هل أباد العرب أو المسلمون الهنود الحمر أو الأبوغينز، السكان الأصليين في أمريكا وأستراليا؟! ألم تشهد القارة الأوروبية حروباً مدمرة حتى وقت قريب، ألم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حرباً أهلية بين الشمال والجنوب على أرضية إصدار وثيقة تحرير العبيد، ألم يحدث كل هذا في الغرب؟!

لمصلحة من يسخر البعض بين الحين والآخر قلمه للانتقاص من الفكر القومي، ألم يكن الفكر القومي وهو فكر متقدم على المرحلة الإقطاعية، هو الدافع والمحرك للقوى التي وحدت إيطاليا وألمانيا وبلداناً أخرى في العالم، أم أن الأمر يختلف حين نتحدث عن الفكر القومي العربي، ألم يكن الفكر القومي وراء التحرر من هيمنة الدولة العثمانية، وألم يكن هذا الفكر القومي وراء التحرر من سيطرة الدول الاستعمارية التي ورثت أسلاب العثمانيين؟!

إن الخلاص من التخلف والتبعية لا يمكن أن ينجم من خلال محاولات محاكات الغرب، فلكل حالة خصوصياتها، فقد عانت الشعوب الغربية في أوروبا من تسلط الكهنوت بأشكاله المختلفة، وكان بداية الخلاص بالنسبة لها هو التأكيد على العقد الاجتماعي، والعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة والحقوق الإنسانية، وهي التي بشر بها الشرق منذ القرن السابع الميلادي، إلا أن القوى الاجتماعية - الاقتصادية، استطاعت أن تعيد التأريخ إلى الوراء، ومن خلال استخدام الأيديولوجية السائدة حين ذاك·

لقد تأكد من خلال تأريخ البشرية الطويل بأن القوة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، هي التي ترسم مصير البشرية، ولعل تجارب الأمم المختلفة، سواءً في الحضارات القديمة أو الحديثة،  تؤكد على أن النخب، وهي مجموعات ضئيلة العدد تمتلك الثروة والنفوذ الفكري ولها مصالح ذاتية تتعارض في أغلب الأحيان مع مصالح عامة الناس، هي التي تتحكم بهذه القوة وبالتالي تتحكم في مصائر الأمم والشعوب التي لا تستطيع أن تصمد أمام جبروتها·

إلا أنه في حالات نادرة في تأريخ الشرق والغرب قد تعمل هذه النخب على تحقيق الحياة الكريمة لعامة الناس، وحين ذاك تكون القيادة متلاحمة مع القاعدة، و لعل ندرة العظماء في التأريخ آتٍ من هذه المفارقة·

برزت على السطح في الآونة الأخيرة، ظاهرة غير صحية، حيث بدأ البعض برفع راية البراءة من القومية العربية ومن الاتجاهات الأكثر جذرية في الفكر الإنساني سواء من تيار الإسلام السياسي أو التيار اليساري بجميع أطيافه· وتكمن وراء هذه الظاهرة روح انهزامية ترفع وتحرض الآخرين على رفع راية الاستسلام للآخر· بقي أن يتأكد الجميع أن الوسطية هي التي تبقى لأنها تمسك العصا من الوسط، ولذا فلديها مجال واسع للمناورة والتأريخ البشري هو في الأساس قصة طويلة من الأخذ والعطاء، قصة طويلة في ممارسة الوسطية، وهي سنة الحياة·

فمهما كان المنطق الذي يغلف حديث المتحذلقين الجدد بارعاً في توظيف إخفاقات الآخرين، ومهما بلغ حجم القوة التي تقف خلف عجرفتهم، فذلك لا يغير من منطق التأريخ وسيرورته، فإن التطرف في نهاية المطاف وسيلة خاسرة، فحقائق التأريخ تؤكد على أن النهج الوسطي هو الذي تمكن من البقاء وحصل على فرصة وضع أجندته موضع التنفيذ، وأن على من يرغب في البقاء محاوراً موضوعياً حول مستقبل شعبه أن لا ينتقص من قيمة مرحلة من مراحل تأريخه الذي هو سلسلة من مراحل ولدت كل منها من رحم من سبقتها·

فاحترام التأريخ هو احترام للذات قبل أي شيء آخر سواء كنا على اتفاق أو خلاف مع محاوره أو مع مخرجاته، فإن جمال عبد الناصر أو لينين أو سلفادور اللندي أو غيرهم من الزعماء البارزين، هم  من الشموع التي أضاءت في تأريخ البشرية وإن من الواجب إيلاءها ما تستحق من احترام وتقدير·

على أولئك الكتاب من مختلف الاتجاهات الأيديولوجية أن يراعوا الموضوعية في طروحاتهم بعيداً عن الأهواء والمصالح الذاتية وبعيداً عن الإشادة والتضخيم غير الموضوعي لإنجازات الشعوب الأخرى في الغرب، وهذا لا يعني، بأي شكل من الأشكال، عدم الإستفادة من إنجازات الغرب، وخاصة في مجال التقدم العلمي والطبي والتقني·

إن الحكم على الفكر القومي العربي ووصمه بالهزيمة هو حكم ظالم وغير عادل، لأن الفكر القومي لم يأخذ حظه في تاريخنا الوطني· وإذا كانت ولادة الفكر القومي تعود إلى بداية القرن العشرين، وأن الحملة ضده بدأت وتقززت في الربع الأخير من ذلك القرن، فهذا يعني أن هذا الفكر لم يسد إلا فترة قصيرة من التاريخ العربي لا تتعدى نصف قرن، أعقبت نهاية الخلافة العثمانية، لا ينكر أحد خلالها انجازات حقيقية تمت في تلك المرحلة القصيرة·

وإذا كان هؤلاء المفكرون يرجعون بعض الانتكاسات إلى الفكر القومي· في تلك المرحلة، ولكننا لم نعرف إلى من يرجعون الانتكاسات التي حدثت في فترات أخرى من التاريخ؟, وهل الأمة الآن وبعد أن عمل البعض على إجهاض المشروع القومي أفضل مما كانت عليه في ظل ذلك المشروع؟· إن على الباحثين أن يعيدوا دراسة التاريخ بموضوعية وإنصاف، وعلينا أن نتذكر بأن التأريخ المشرق للأمة العربية والإسلامية لم يُصنع من فراغ فإن ما قدمه العرب والمسلمون من إنجازات تتضمن تطوير إنجازات الحضارات السابقة في مجال العلوم الإنسانية أو التطبيقية ولا تقتصر عليها، خير شاهد على ذلك أن أصالتهم التي يراد التطاول عليها قد مكنتهم من الحفاظ على الشخصية المتميزة للإنسان العربي·

إن الرؤية المعاصرة للواقع العربي تتطلب قراءة موضوعية للأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الأوضاع، وتتطلب إرادة تجمع عليها النخب العربية للبحث عن وسائل للبدء في مرحلة جديدة نحو آفاق حياة جديدة يتم فيها العمل بجد وإخلاص، إرادة تؤمن بأن الإنسان العربي قادر على إنجاز المشروع الحضاري العربي الذي طال انتظاره، وأن بريق الأمل يطل من جديد من خلال مشروع نهضوي يتعزز وينمو لدى القيادات التي ترى أن بوسعنا أن نخلق في أوطاننا مراكز جديدة للحضارة، كما كانت دمشق وبغداد من قبل· وقد تكون تلك المراكز في الإمارات العربية أو غيرها· المهم أن تكون هناك انطلاقة، ولنا عبرة في الأمم الأخرى وخاصة في الشرق، وكفانا جلداً للذات·

*رئيس وحدة الدراسات - البيان

 malmutawa@albayan.ae

�����
   
�������   ������ �����
من يدفع ثمن الصراع؟
احترام العقل الإنساني
ما بين عامي 1956- 1967!!
بوش: انقل تمثال الحرية!!
وداعاً للعاطفة... الحل هو العقل؟!
المنتدى الإعلامي العربي
الأسطورة والنفط
من هو الأهم؟
الإنسان هو الأقوى
دبي.. هي الرؤية المستقبلية
المعذرة سيد سماحة
مهلا سيد بلير!!
استراحة المحاربين
الرقم السابع يطرق الأبواب
قراءة أولى في الانتخابات
المشاركة رؤية وطنية
إرادة الإنسان هي الأقوى!!
المحافظة على حلم جميل !!!
الوطن في مرحلة جديدة
  Next Page

نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية:
د. نسرين مراد
الدقائق الأخيرة:
فهد راشد المطيري
ملوك الطوائف الجدد:
علي عبيد
حكومتان لكل بلد عربي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
سؤال قد يكون وجيهاً:
على محمود خاجه
"استقل وارحل...
نصائح بالمجان":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الوعي المزيف والوعي الواقعي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
استجوبوا الحكومة عن الخيار والطماطم كي لا تجزع !:
محمد بو شهري
الدوائر الخمس ومواقف النواب:
أحمد سعود المطرود
عام الحوار الثقافي:
ياسر سعيد حارب
يا الجارالله خاف الله:
المهندس محمد فهد الظفيري
حكومات الخيانة والإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
أدب للنساء:
مريم سالم
بين العصر الحجري والعصر الدموي:
الدكتور محمد سلمان العبودي
احترام العقل الإنساني:
د. محمد عبدالله المطوع