شاهدت فيلم الإسكندر المقدوني الذي عرض في السينما مؤخرا، وسمعت آراء مختلفة من بعض المشاهدين حول الرسالة التي يريد الفيلم توجيهها، منهم من قال إنه موجه ضد إيران تهديدا لها بسبب برنامجها النووي وذلك أن الإسكندر هزم الفرس واحتل بلادهم، ومنهم من يرى أنها رسالة ضد العرب لأنهم مصدر الإرهاب وذلك أن الإسكندر في نهاية الفيلم يقول إنه سوف يتوجه لبلاد العرب، طبعا بهذا التحليل سوف تكون رسالة للهند لأن الإسكندر حارب الهنود، وهناك من قال إن أمريكا تريد تشويه صورة الإسكندر وذلك تأديبا لأوربا لموقفها غير المؤيد للولايات المتحدة، والبعض يرى أنها دعوة ضد التوسع والغزو، وكل له تحليل وتأويل عن رسالة الفيلم حسب خلفيته الثقافية، أتصور أن رسالة الفيلم هي أن الإسكندر هذا هو بإيجابياته وسلبياته، دون تزييف وتلميع ولا خوف من ملاحقات قانونية ولا إصدار فتاوى بالتكفير أو الارتداد بسبب كشف حقيقة شخصيته كما وصفها التاريخ، فهو توسع في فتح البلاد وكان شجاعا مقداما ولكنه كان لوطيا مستبدا قتل من خالفه من أصحابه، وهذه حقيقة حتى لو استنكرها اليونان، فالغرب إحدى أسرار تطوره هي أنه يعطي كل ذي حق حقه ولا يزيف الشخصيات، فهم يريدون من الأجيال أن تستفيد من إيجابيات الإسكندر واستنكار سلبياته لكي لا تكون قدوة لأحد يبني عليها أحكاما وأفكارا وممارسات ضد كرامة الإنسان والعدالة، فالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عندما أخطأ وضعوه وراء منصة المحاكمة حتى لو كان هو من أنعش الاقتصاد الأمريكي· يجب أن تعرف الأجيال الأمريكية أن كيلنتون الذي أنعش الاقتصاد هو نفسه الذي كذب في قضية تحرشه بموظفة عنده، فميزان العدالة وتقييم الشخصيات يطبق على المعاصر والتاريخي لكي تكون العبرة للجميع، فالفيلم رسالة للعالم العربي والإسلام إنكم لن تتطوروا مادمتم تزيفون الحقائق وتلمعون شخصيات معاصرة وتاريخية يدها ملطخة بالدماء وممارستها ضد كل القيم الإنسانية، هي رسالة لنا كي نتحرر من صنمية الأفراد والقوانين التي تعطي حصانة من المساس بشخصيات معاصرة وتاريخية حتى لو كان هذا المساس حقيقيا وصحيحا ولكن حسب تصور البعض أن ليس من المصلحة ذكرها ويجب التكتيم!·
لقد رد مستشار الرئيس الإيراني محمد خاتمي الدكتور علي شريعتي على من يحملون مثل هذا التخوف من كشف بعض الحقائق، فقال لهم ما هو مضمونه: "ذكر الحقيقة هي المصلحة" نبي الله إبراهيم كسر الأصنام ووضع الفأس على رأس الصنم الأكبر ليفهم الناس أن الحقيقة غير الذي تتصورونه، ونرى ردة فعل الجماهير بأنها رمته بالنار لكشفه عن الحقيقة التي طالما أخفيت، فالحقيقة مرة، فكم من حقائق عندما ستكشف سوف تهدم معادلات ومصالح ومكاسب كثيرة، نحن نحتاج لفأس النبي إبراهيم "ع" ليحطم القوالب التي وضع عقلنا بداخلها وحجب عن الحقيقة في كثير من الأمور التاريخية والمعاصرة على مستوى الشخصيات والأفكار والمتبنيات، فشخصيات مجرمة معاصرة مثل صدام حسين رأينا جرائمة بأم أعيننا على شاشات الفضائيات ومع ذلك تجد من يزيف الحقائق ويجعل منه بطلا صامدا بريئا عن كل ما نسب إليه من انتهاكات، وترفع صوره بمظاهرات حاشدة كرمز منتصر "انتصار الحماقة على العقل" فلا نستغرب من تزييف وتلميع شخصيات تاريخية نجد التاريخ مستاء من حملها هي وجرائمها في طياته وصفحاته، فكما قال الشاعر:
وما كتب التاريخ في كل ماروت
لقرائها إلا حديث ملفق نظرنا بأمر الحاضرين فرابنا
فكيف بأمر الغابرين نصدق
machki@taleea.com |