أحد الأصدقاء وبعد أن قرأ مقالتي المنشورة قبل عدة أسابيع في جريدة "الطليعة" والتي كانت معنونة بـ "جمهورية الفساد"، سألني ما الحل؟ فكانت هذه المقالة·
***
يعد الفساد ظاهرة قديمة بقدم المجتمعات الإنسانية نفسها، وإذا كان للفساد سادته ومنظروه وتابعوه، فإن له - أيضا - آلياته واستراتيجياته ومعاييره، وأعتقد أن محاربة الفساد لن تجدي إلا إذا تمكنا من وضع معايير مضادة لمعايير الفساد، وبزعمي الخاص، أن "المضاد" الأمثل ضد "فيروس" الفساد يتمثل في تطبيق فلسفة "الحكم الصالح" Good Governance، والتي بإمكانها منحنا حكما قيميا صادقا على الكيفية التي تمارس بها السلطة السياسية إدارة شؤون المجتمع، وما إذا كانت هذه الإدارة تسير باتجاه تطوري وتنموي وتقدمي، إن الحكم الصالح، وكما يرى د· حسن كريم، هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وبتقدم المواطنين وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم·
وما يميز إدارة شؤون المجتمع من خلال الحكم الصالح، وكما يرى د· كريم، هو أنها تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة وهي: أولا، البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها، ثانيا، البعد التقني المتعلق بعمل الإدارة العامة وكفاءتها وفاعليتها، وثالثا، البعد الاقتصادي الاجتماعي المتعلق بـ (أ) طبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة، (ب) طبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرهما على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة، (ج) العلاقة مع الاقتصادات الخارجية والمجتمعات الأخرى·
أما فيما يتعلق بالمعايير التي يقوم عليها "الحكم الصالح" فقد تنوعت وتعددت ويمكن إيجازها على النحو التالي:
أولا: معايير الحكم الصالح التي وضعها كوفمان Kaufmann وزملاؤه (2003) وهي: (المحاسبة والمساءلة، الاستقرار السياسي، فعالية الحكومة، نوعية تنظيم الاقتصاد، حكم القانون، التحكم في الفساد)·
ثانيا: معايير الحكم الصالح التي وضعتها "منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية" OECD وهي: (دولة القانون، إدارة القطاع العام، السيطرة على الفساد، خفض النفقات العسكرية)·
ثالثا: معايير الحكم الصالح التي وضعها "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" UNPD وهي: (المشاركة، حكم القانون، الشفافية حسن الاستجابة، التوافق، المساواة في تكافؤ الفرص، الفعالية، المحاسبة، الرؤية الاستراتيجية)·
رابعا: معايير الحكم الصالح التي وضعها البنك الدولي WB لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي: (التضمينية، المساءلة)·
خامسا: مقترحات منتدى التنمية الخامس والعشرين والمنعقد في البحرين في يناير 2004، والذي يرى أن الإصلاح لن يكتب له النجاح في المنطقة الخليجية إن لم تعالج مسائل مهمة مثل: (تداول السلطة، القبلية والطائفية والعائلية، البطالة، الخلل السكاني، تمتين شبكات الرعاية الاجتماعية، الانفتاح السياسي)·
ما أردت أن ألفت الانتباه له في هذا المقال هو أن محاربة الفساد بقرارات إدارية وقانونية لن تجدي لأن "فيروس" الفساد بإمكانه التفاعل والتكيف معها ومن ثم التغلب على مثل هذه الإجراءات بطريقة أو بأخرى، إن محاربة الفساد لن تتحقق إن لم تكن هناك رغبة صادقة في محاربته، وهذه الرغبة الصادقة تتمثل فقط في تبني فلسفة "الحكم الصالح" وضرورة تطبيقه على أرض الواقع، وما عدا ذلك فإنه لن يجدي· |