عندما يعيش المستثمرون الكويتيون في قطاع العقار السكني أجواء عام 2004، وتعيش الحكومة أجواء عام 1904 متخلفة مئة عام عن زمانها وأهله، فإن الواقع في القطاع العقاري المذكور سيغدو هو الموجود أمام أعيننا الآن·
عندما أصدرت الحكومة التي لا تعي أمر السوق وأحواله، في شهر رمضان الماضي، فرمانها الذي يقضي بـ “تحريم!” البناء في كل من إشبيلية والمسيلة والفنيطيس وأبو فطيرة والمنقف السكني الجديد والخيران السكني، بل وحتى العقيلة التي بنى فيها الكثيرون، أدى هذا القرار الشاذ الى إماتة السوق تماما في المناطق المذكورة التي هي أصلا الفرصة الوحيدة المتاحة أمام المواطن ذي الدخل المتوسط الذي لا يريد الوقوف خمس عشرة سنة كاملة منتظرا السكن الحكومي على الحدود الشمالية أو الجنوبية للبلاد، وقد أدى القرار الى توقف الطلب تماما في تلك المناطق، وثبات العرض، وبما أن المستثمرين في تلك المناطق متمسكون بأراضيهم لعلمهم بجودتها، وتأكدهم من ضرورة ارتفاع أسعارها مستقبلا، لم يعرضوها بسعر شرائهم لها نفسه، مما أدى الى موت كلي يتضرر منه جميع أطراف قطاع العقار السكني ملاكا ومشترين ووسطاء·
هذا هو الأثر التدميري المباشر الذي خلفه القرار الحكومي الفاشل، بيد أن الأثر غير المباشر وصل الى جنوب السرة بمناطقها المختلفة التي قفزت أسعارها الى أرقام فلكية مجنونة تصل الى 130 ألف دينار في أرض عادية (مردوفة) في شارع داخلي عادي في منطقة الشهداء مثلا، وقس على ذلك·
فإذا علمنا أن منطقة جنوب السرة هي ضمن المناطق غير مكتملة الخدمات، فماذا نتوقع، إذا، بشأن أوضاع الأسعار في المناطق الداخلية التي كان الطلب قويا عليها سابقا أصلا، ثم أضحى بديلا شبه وحيد أمام الناس؟
بالتأكيد اشتعلت فيها الأسعار هي الأخرى الى الحدود التي تلتهم مدخرات الأسر الكويتية، تمهيدا لطلبات اقتراض تقضي على حياة الناس أيضا كما قضت على مدخراتهم·
الحكومة، وبالتأكيد، تراقب الوضع عن كثب، وبالتأكيد فيها أطراف مستفيدة من هذه الجريمة المستمرة (!)، ولكن هل ستنتصر الأخلاق لديها على المصالح؟ وهل الكويتيون يستحقون، لدى حكومتهم، مئة مليون مثلا لصرفها على خدمات هذه المناطق، مثلهم مثل الدول الصديقة المستفيدة من “ترضيات” سياستنا الخارجية التي لا نعارضها، ولكننا نغبط أهلها الأجانب فقط؟!!
خارج الموضوع
التثقيف العقاري هو أمر مهم للمواطن، ولقد كانت الصحف اليومية تنشر تقارير أسبوعية معروف يوم نشرها سلفا، فليت هذا العرف الطيب يعود، حتى ولو بتقرير شهري واحد، ولكن على أن يكون معروفا يوم نشره (كل أول سبت أو كل أول أربعاء في الشهر مثلا)، وذلك لخدمة هذا القطاع·
drjr@taleea.com |