| يقول لي الحلاق مناور وهو باكستاني الجنسية ويبلغ من العمر 54 سنة أن شعر الكويتيين تأثر بالغزو العراقي على الكويت إذ إن عوائده انخفضت بشكل كبير إثر الغزو بشكل جعله يفكر بالعودة لباكستان إلا أن مناور غير رأيه كثيرا بعد حرب العراق الأخيرة وعاد ليقول بأن عوائده ارتفعت بشكل كبير يعجز عن تفسيره وربط نمو الشعر بالحلاقة، مناور هو أحد العاملين في مجال الخدمات الاستهلاكية التي عاشت كسادا كبيرا في ظل الحرب الباردة بين الكويت والعراق منذ تحرير الكويت عام 91 وحتى عام 2003، وفي ظل هذا التفاوت الكبير بين إيرادات التجار قبل وبعد الحرب الأخيرة يقول شبيب وهو سائق سيارات "أجرة" أنه قام برفع أسعار خدماته أربع مرات بسبب الطلب المتضاعف على خدمة نقل العاملين في الجيش الأمريكي بين مقر عملهم وسكنهم، أما عيد ناصر كويتي متقاعد ويدير مصبغة صغيرة عانى الكساد أيضا لفترة طويلة قبل أن يأتيه الفرج على يد الحرب فوقع عقدا كبيرا مع إحدى الشركات المرتبطة بأعمال ذات صلة بالحرب أنعشته وأعادت الدماء إلى عروقه
ومن جانبه يقول جاسم الحامد وهو كويتي يملك مبلغا بسيطا مستثمرا في السوق الكويتية للأوراق المالية إن سعادته لا توصف إذ إن أمواله تضاعفت ثلاث مرات في غضون سنة واحدة بسبب الأرباح التي حققتها الشركات الكويتية العاملة في توفير الخدمات للجيش الأمريكي·
و تنشغل دواوين الكويتيين الآن بأحاديث الحرب ولكنها لا تتكلم عن الضحايا والقتلى والدستور العراقي والحكومة الموقتة وفتاوى السيستاني بقدر ما تنشغل بأخبار الاستثمار في قطاع تجارة الحروب المفهوم الجديد في الكويت وقد حققت الحرب الأخيرة منفعة مالية لجميع المواطنين والمقيمين في الكويت باختلاف ثرائهم فالأفراد استطاعوا الحصول على فرص صغيرة والأثرياء حصلوا على فرص كبيرة وانقسمت الفرص بين الكل بالتساوي
و تنقسم الفرص التجارية إلى أربعة أنواع، الأولى منها الأكثر أمانا والأكثر عائدا وهي توفير احتياجات الجيش الأمريكي ويتدافع في تقديم الخدمات ضمن هذا التصنيف جميع الأفراد باختلاف ثرائهم وإمكانياتهم، أما الفرصة الثانية فتتمثل في المشاركة في إعمار العراق وتزويد الجمهورية بالمعدات الأساسية، وهي فرصة متاحة أمام الشركات الكويتية الكبيرة التي استطاعت الفوز بمناقصات مهمة وكثيرة من أهمها خطوط الهواتف المتنقلة وإمدادات النفط والماء والكهرباء وغيرها، أما الفرصة الاستثمارية الثالثة وهي أقل أمانا ومردودا فتتمثل بالتعامل مع الحكومة العراقية الموقتة مباشرة وتزويدها باحتياجاتها وهي فرصة ينقصها النضج والقرار من قبل الطرف العراقي، أما الفرصة الأخيرة فتتمثل في توفير الاحتياجات للتجار العراقيين وهي الفرصة الأخطر على الإطلاق إذ يضطر التاجر الكويتي إلى دخول الأراضي العراقية الجنوبية دون أي حماية تذكر لتسليم البضاعة للتاجر العراقي وقد أدى هذا الاستثمار إلى خطف مجموعات مختلفة من الكويتيين وتعرض الكثير منهم للسلب والقتل
إلا أن جميع النقاط الإيجابية السابقة لا تعني بالضرورة استفادة جميع الكويتيين من نتائج الحرب اقتصاديا على حياتهم فقد تسببت تلك الفرص في شقاء المواطن البسيط ذي الدخل المحدود غير المهتم بالتجارة إذ أن أسعار العقارات كالأراضي والمنازل والشقق تضاعفت في سنة واحدة، وفي هذا الصدد يقول سعود وهو كويتي في أوائل الثلاثينات بأنه كان يعتزم شراء منزل في نهاية سنة 2003 وكان يجمع أمواله بناء على الأسعار المتداولة في فترة ما قبل الحرب أما الآن فقد تبخرت أحلامه وهو بحاجة لعشر سنوات أخرى لتوفير سعر منزل بيت العمر ·
ولا تخلو الفرص التجارية الذهبية في العراق من ممارسات لا أخلاقية للفوز بعقد من العقود، ويقول لي سعود وهو باكستاني من مواليد الكويت في أوائل العشرينات من عمره ويعمل في إحدى الإدارات التابعة للجيش الأمريكي والمعنية بتوفير الاحتياجات اللازمة للجيش في الكويت والعراق بأنه استطاع أن يكون ثروة لم تجمعها عائلته مجتمعة على مر خمسين سنة من العمولات التي يتقاضاها من أجل تمرير بعض العقود لصالح بعض التجار الكويتيين الذين يختارهم ويضيف بأن تلك العمولات يتقاسمها مع مديره الأعلى منه في الجيش الأمريكي
وفي النهاية نتمنى أن لا يكون الانتعاش الاقتصادي مرتبطا بعوامل زمنية موقتة تنتهي بانتهائها وأن تستغل الكويت الفرصة لإعادة الريادة الاقتصادية ودورها التاريخي في مجال المال والأعمال وأن تنطلق الكويت بإرادة شبابها وبخبرة تجارها لتكون نمرا من نمور الشرق الأوسط الواعدين·
almelhem@taleea.com |
