رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 يونيو 2007
العدد 1779

نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية
د. نسرين مراد
????? ????????

لم تختلف روح التعامل مع الدول والشعوب والأمم الأخرى في معايير السياسة الأمريكية الخارجية عن التعامل مع سكان الولايات المتحدة الأصليين أو ما يُعرفون تاريخياً وشعبياً وعالمياً بالهنود الحمر، والذين لا يمتون لا للجنس الهندي ولا للون الأحمر بأية صلات· داخلياً كذلك تعاملت الإدارات والجماعات الأمريكية النافذة في الحكم المتعاقبة مع المجموعات الإثنية المكوّنة للدولة الأمريكية من ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية واللاتينية الأخرى، تعاملت معها بنفس الأسلوب مع اختلاف في الحدة حسب قوة تأثير تلك الإثنية وقدرتها على فرض وجودها على الغير· ذلك ما يدل على ضعف واضح في قدرة القادة والسياسيين الأمريكيين على استيعاب وفهم الغير، واحترام حقوقهم والتعامل التبادلي القائم على الاحترام ومراعاة ثقافات وحضارات ومصالح تلك المجموعات·

الدارس أو المطلع على مجلات ومجلدات السياسة والشؤون والعلاقات الخارجية الأمريكية يجد أن الأمم الأخرى مهما كان حجمها الديمغرافي كانت تواجه طريقة التعامل نفسها التي اتبعها المستوطن الأبيض مع "الهندي الأحمر"· الخطوط التكتيكية العريضة لتلك السياسة هي عرض اتفاقيات سلام أو تفاهم أو تعاون بشروط تميل بمجملها لصالح السياسة والأهداف والمصالح الأمريكية والتي غالباً ما لا توافق تلك المجموعة على المدى الاستراتيجي البعيد· الطرف الآخر في العلاقة مع الإدارة الأمريكية في جل الأحيان يريد أن يؤمّن مساعدة مالية أو غذائية أو ثقافية تعليمية· إن تقبل حكومة أو رئيس أو ملك تلك الدولة بشروط الاتفاقية يتم التعامل معه كرئيس قبيلة "هندية حمراء" حيث تُصرف له ولمساعديه وأركان حكمه علاوة مالية ويختار له من يولونه الطاعة والاحترام، على الأقل لا يتمردون عليه· إن يحدث إخلال حسب التفسير الأمريكي لشروط تطبيق تلك الاتفاقية، حينئذ تُعلن حالة شبه حرب مع ذلك الكيان بما في الحرب من فروع سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وإعلامية وأخيراً وليس آخراً الحرب العسكرية المفتوحة·

تم تطبيق مفهوم التعامل الفوقي المتعالي والنزعة والسياسة التي تعتمد على العزل والحصار والحرمان من الحقوق والامتيازات على كتل كبيرة مثل دولة الصين· حتى العام 1970 لم تعترف الولايات المتحدة بدولة الصين وهي أكبر كيان ديموغرافي في العالم· اعترفت الولايات المتحدة بشكل كامل وشبه أوحد بدولة تايوان أو الصين الوطنية المتمردة، التي تساوي ضاحية ميكروسكوبية في جسم الصين الأم، وعملت كل ما باستطاعتها لحصار واحتواء الصين كما لو كانت الأخيرة محمية أو منعزلة للهنود الحمر في أحد أرياف الولايات المتحدة الأمريكية·

أمثلة وضع الفئات والأمم الأخرى في منعزلات كثيرة ومتكررة ولم تنفع تضحيات تلك الفئات الجسيمة وصيحات وتقارير الوكالات الدولية المستقلة المتخصصة والتي في جلّها حتى غربية وأمريكية الهوية والهوى من ردع أو إقناع الولايات المتحدة بتغيير سياستها أو حتى تعديلها· أكبر وأفظع أعمال العزل على طريقة منعزلات الهنود الحمر جرت وتجري على قدم وساق في فلسطين العربية برضا وتفهّم ودعم وتأييد كامل من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة· أدى ذلك إلى حدوث وضع مأساوي خطير لملايين الفلسطينيين في الداخل تحت الاحتلال، وفي الشتات والذين أصبحت حالتهم النفسية والمعنوية والمادية في الحضيض·

ما تفعله إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في العراق هو نسخة طبق الأصل عما كان يفعله المستوطنون البيض ضد الهنود الحمر· في كل ضاحية أو بلدة أو قرية أو مدينة توسم بالمتمردة على الاحتلال الأمريكي يقوم الجيش الأمريكي بوضع سياج من الأسلاك الشائكة أو جدار من الخرسانة المسلحة وتحت مراقبة جنود جيش الاحتلال الأمريكي والجيش العراقي الحالي المضطر للتحالف معه· يفعل الحصار على تجمعات سكان العراق نفس الفعل الذي كان يؤديه على تجمعات الهنود الحمر، شيباً وشباناً وأطفالاً ونساءً وحوامل ورضّعٍ ومرضعات· في ذلك تتبادل إسرائيل وأمريكا المعلومات والخبرات نظراً لباع إسرائيل الطويل حالياً في إنشاء المنعزلات على العرب·

وكما التعامل مع الهنود الحمر والصينيين والفلسطينيين والكوبيين والعراقيين يجري التحضير لتنفيذ السياسة نفسها على الدول والشعوب الأخرى، الأقرب ترشيحاً لذلك هي إيران والسودان وسورية ولبنان وروسيا والقائمة تطول، ولكل وضعه الخاص· بذلك تظل الصورة القاتمة تطل على البشرية ألا وهي مجموعة إثنية صغيرة أو كبيرة أو شعب أو أمة تقوم قوة غاشمة بمحاولة محاصرتها وإخضاعها رغماً عن إرادتها باللين واللطف والخداع والدبلوماسية والجزرة والعصا· أخيراً الهدف النهائي واضح لا لبس فيه، السيطرة على ثروات البلاد لصالح الشركات الأمريكية والتحكم في سياساتها الخارجية والنفاذ إلى جبهاتها الداخلية تمهيداً للقضاء على تلك الحضارات وجعلها من آثار الماضي· بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر المثيرة للجدل جل كيانات العالم أصبحت في نظر الإدارة الأمريكية الحالية هندية حمراء وبشكل صارخ· حتى الرئيس جورج بوش لم يستطع أن يخفي تلك النزعة المتأصلة بعبارته الشهيرة شديدة التخلف والبؤس "من ليس معنا فهو ضدنا"؛ كما لو كان يقود مجموعة من المستوطنين البيض تطارد جماعات من الهنود الحمر·

في رياض الأطفال كما في الشارع ووسائل الإعلام تنتشر ظاهرة الفاشية والشوفينية الأمريكية في الأجيال، "We are the greatest nation in the world" " نحن أعظم شعب في العالم"؛ أمر يهم من حظي بمكان تولّده في الولايات المتحدة أو من حمل هوية أو جنسية تلك الدولة على الأقل لسبب أو لآخر· ومع التوسع في التركيز على القوة العسكرية والجبروت الأمريكيين بات الوضع النفسي للأمريكيين بشكل عام كالنسر الذي يحط بين مجموعة من العصافير أو الطيور الضعيفة سهل الانقضاض عليها وتناول ما لذ وطاب له منها· منطقياً وعملياً، لِمَ لا يحدث ذلك والولايات المتحدة تستحوذ على الجزء الأكبر من خيرات وثروات الشعوب الأخرى المادية والبشرية والمالية والطاقة؟!· بسبب تقاعس الإدارات المحلية عبر العالم عن النهوض بشعوبها باتت الهيمنة الأمريكية تخيم على كل أنفاس تلك الدول وبرامجها الحيوية·

حالياً يعز وجود كيانين جارين في الشرق والغرب ممن لا يحتاجان قوة خارجية لمنعهما من حتى تدمير واحتلال بعضها البعض، أو حتى لحل أزماتهما الداخلية المستحكمة· وصل الأمر بحالة عموم تلك التجمعات ولوقف تدهور العلاقات وحالة الصراع والاقتتال إلى أن تستجدي تدخلاً سريعاً من الشرطي الأمريكي "الدولي"· في ذلك على المرء أن لا يُجهد نفسه كثيراً في البحث والتنقيب إذا ما أُخذت الأوضاع في شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية أُخذت بعين الاعتبار كأمثلة واضحة صارخة على ذلك·

بات على الدول صاحبة الشأن والعلاقة أن تفكر بإيجابية مع نفسها ومع غيرها من أجل الوصول بحالة العالم إلى مستوى استقرار يغني عن تدخل خارجي خاصة من النوع الذي لا يراعي إلا مصالحه على حساب الأطراف المتناحرة مع بعضها حتى ينقطع النفَس· في هذا الصدد على الشعوب أن تسائل حكامها ومسؤوليها عما فعلوه من أجل تلك الشعوب في الداخل، ولإحلال السلام والأمن والأمان مع الجيران في الإقليم والدول الأخرى القريبة والبعيدة· لماذا تستمر حالة الاعتماد المزمن على الدول التي لها نزعة استعمارية إمبريالية شرسة وعلى الدول التي لها ماض استعماري مليء بالجرائم الجماعية ضد الإنسانية؟! أما آن للجميع أن يفهموا ويعوا ذلك ويعملوا لإصلاح أمورهم؟!·

* جامعة الإمارات

nasrin@uaeu.ac.ae

�����
   
�������   ������ �����
نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية
نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية
الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة
الحرب السادسة في المنطقة
قراءة في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله
قراءة في المواجهة المفتوحةبين إسرائيل وحزب الله
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية
الإدارة الأمريكية ومشروع تقسيم العراق
أبو مازن بين مطرقة الاحتلال وسندان المقاومة
أوضاع الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية
 

نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية:
د. نسرين مراد
الدقائق الأخيرة:
فهد راشد المطيري
ملوك الطوائف الجدد:
علي عبيد
حكومتان لكل بلد عربي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
سؤال قد يكون وجيهاً:
على محمود خاجه
"استقل وارحل...
نصائح بالمجان":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الوعي المزيف والوعي الواقعي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
استجوبوا الحكومة عن الخيار والطماطم كي لا تجزع !:
محمد بو شهري
الدوائر الخمس ومواقف النواب:
أحمد سعود المطرود
عام الحوار الثقافي:
ياسر سعيد حارب
يا الجارالله خاف الله:
المهندس محمد فهد الظفيري
حكومات الخيانة والإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
أدب للنساء:
مريم سالم
بين العصر الحجري والعصر الدموي:
الدكتور محمد سلمان العبودي
احترام العقل الإنساني:
د. محمد عبدالله المطوع