رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 يونيو 2007
العدد 1779

ملوك الطوائف الجدد
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

يقولون إن التاريخ لا يعيد نفسه، ونقول ربما كان للتاريخ رأي آخر· أما التاريخ فيقول إنه لما حضرت الوفاة الخليفة الأموي الأندلسي "الحَكَم الثاني" نظر وهو على فراش الموت إلى ولده نظرة حزن وأسى، كأنه يستشرف ما سيجري على أرض الأندلس بعده· كان عمر ولده آنذاك لا يجاوز الأحد عشر عاما، لكن "الحَكَم" كان مضطرا لأن يوصي له بالخلافة كي لا يخرج عن نهج آبائه وأجداده منذ عهد معاوية، ففعلها ولقّب ابنه "هشام الثاني" وجعل عليه وصياًّ وزيرَه القويَّ الحاجب بن أبي عامر الملقب بالمنصور·

هكذا وجد الحاجب المنصور نفسه وصيًّا على خليفة لم يزل بعد صبيا فاستحوذ على كل السلطات، وتخلص من منافسيه الواحد تلو الآخر، مستخدما كل الوسائل التي لم يستثنِ منها القتل والاغتيال، وقلص من نفوذ الخليفة حتى جعله لا يغادر قصره· ساعدته على ذلك قدراته الإدارية الكبيرة وكفاءته العسكرية العالية وحنكته الساسية وميله إلى البطش· وقد خاض معارك عدة مع الأسبان سجل فيها انتصارات كبيرة حتى يقال إنه في إحدى المعارك عندما استولى على كنيسة سنتياغو جعل الأسرى الأسبان يحملون الأجراس على ظهورهم مسافة 400 ميل إلى قرطبة·

وبموت الحاجب المنصور عام 1002 م بدأ الانهيار الكبير في دولة بني أمية الأندلسية، وبدأت مرحلة الحروب الأهلية، واندلعت فتنة البربر الذين دمروا مدينة الزهراء رائعة مدن الأندلس، وكَثُر أدعياء السلطة وطلابها حتى أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور عام 1031م  سقوط الدولة التي أسسها الرجل القوي عبدالرحمن الداخل عام 756م ليبدأ في الأندلس عصر جديد عرف بعصر "ملوك الطوائف" بعد أن استأثر كل أمير من الأمراء بجزء من الدولة التي تبعثرت وأقام عليه دويلة صغيرة حتى وصل عدد الدويلات التي أقاموها اثنتين وعشرين، كان منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وغيرها· دويلات ورثت ثراء الخلافة لكنها لم ترث قوتها، مما جعلها فريسة سهلة للأسبان الزاحفين عليها من الشمال بقيادة "ألفونسو السادس" الذي نجح في توحيد مملكتي قشتالة وليون، وسيطر على الممالك المسيحية الشمالية، وبث الرعب في قلوب ملوك الطوائف وهددهم فراحوا يتوددون إليه، ويدفعون له الجزية عن يد وهم صاغرون كي يستعينوا به على إخوانهم من الملوك الآخرين· الأمر الذي شجع ألفونسو على التهام حواضر الأندلس واحدة بعد الأخرى، وأخذت قواته تجتاح أراضي المسلمين وتخرب مدنهم·

استيقظ ملوك الطوائف على الحقيقة المرة التي آل إليها حالهم، والنهاية المحتومة التي تنتظرهم إن لم يتداركوا أمرهم، خاصة بعد أن سقطت طليطلة على مرأى ومسمع من المعتمد بن عباد الذي غَلّت يدَهُ المعاهدةُ التي كان قد أبرمها مع ألفونسو كي يعينه على جيرانه مقابل أن يتعهد المعتمد بأن يؤدي الجزية لملك قشتالة وأن يطلق يده في طليطلة· وعندما أفاق الملوك على الخطر الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من رقابهم لم يكن أمامهم سوى الاستعانة بإخوانهم في الضفة الغربية من البحر المتوسط حيث أقام المرابطون دولتهم القوية بقيادة "يوسف بن تاشفين"· ورغم تخوف ملوك الطوائف من المرابطين إلا أنهم وافقوا على الاستعانة بهم بعد أن أطلق المعتمد بن عباد مقولته الشهيرة "والله لئن أرعى الإبل في صحراء المغرب خير لي من أن أرعى الخنازير في أوروبا" فكان الانتصار الذي خلدته كتب التاريخ في معركة "الزلاقة" حيث قتل معظم أفراد الجيش القشتالي، وأُسِر منهم من لم يُقتَل، وفرّ ألفونسو جريحا مع نفر قليل من رجاله·

كانت فرصة تاريخية لملوك الطوائف كي يوحدوا صفوفهم وتخْلُصَ نواياهم بعد النصر العظيم الذي أهداهم إياه يوسف بن تاشفين، لكننا كعادتنا لا نستفيد من التجارب ولا نتعلم من الأخطاء، إذ ما أن غادر بن تاشفين الأندلس حتى عادت الصراعات بينهم مرة أخرى، لكنها على اقتسام غنائم معركة "الزلاقة" هذه المرة· عندها ضجّ العلماء وذهبوا إلى يوسف بن تاشفين طالبين منه العودة إلى الأندلس لتخليص الشعب من طغيان هؤلاء الملوك وعبثهم بأقدار الشعوب ومقدراتها فكانت نهايتهم على يد أمير المرابطين الذي سبق أن خلصهم من ألفونسو وطغيانه وعبثه بهم· وبهذا استطاع بن تاشفين أن يضم كل بلاد الأندلس وأن يحرر سرقسطة ليصبح أميرا على دولة تمتد من شمال الأندلس بالقرب من فرنسا إلى وسط أفريقيا، منهيا بذلك عصر "ملوك الطوائف" الذي امتد سبعة وخمسين عاما من تاريخ العرب والمسلمين في الأندلس لم تخلُ من بقع ضوء في بعض نواحيها، لكن بقع الظلام فيها كانت أكبر· وقد شكل هذا العصر ظاهرة ظلت تتكرر من آن إلى آخر بحيث لم تنجُ منها مرحلة من المراحل التاريخية، وإن اتخذت صورا مختلفة في الشكل لكنها متحدة في المضمون والمقدمات والنتائج·

تُرى إلى أي مدى علينا أن نستحضر التاريخ أو نستلهمه ونحن نتابع ما يحدث على أرض الواقع في النقاط الباردة والساخنة من وطننا العربي المقسم والموزع على ملوك وأمراء طوائف يتناحرون على السلطة في بعض بقاعه، وآخرين يتآمرون عليه من خارج هذه البقاع، بينما البقية الباقية منهم يتفرجون على ما يجري أمام سمعهم وبصرهم، مسلّمين أقدارهم وأقدار إخوانهم لمن شاء أن يستفيد من هذا الوضع ويلعب بأصابعه الظاهرة والخفية فيه بغية صب المزيد من الزيت على نار الأشقاء المشتعلة التي لم يعد أمامها الكثير الذي يمكن أن تلتهمه بعد أن التهمت نيران الأعداء الجزء الأكبر ولم تترك لهم إلا الفتات الذي يتصارعون عليه اليوم ويتناحرون؟

إن ما يحدث في كل من فلسطين والعراق ولبنان لا يمكن إلا أن يعيدنا إلى عصر "ملوك الطوائف" لنشاهد ملوك طوائف معاصرين لهم أجنداتهم الخاصة التي لا تخدم سوى طموحاتهم الضيقة، ولهم ولاءاتهم غير الوطنية التي تتنوع بتنوع الأطراف المستفيدة من النيران التي يشعلونها ويطلقون لهيبها في كل اتجاه، ولهم مصادر تمويلهم المشبوهة التي تمدهم بالمال والسلاح كي يسرفوا في القتل ويوغلوا في الدماء· شيء واحد لا يملكه "ملوك الطوائف" الجدد هؤلاء؛ إنه العقل الذي يدعوهم إلى تحكيم ضمائرهم الوطنية، وإمعان النظر فيما يقومون به، ودوافع ما يقومون به، ونتائج ما يقومون به، وتبعات ما يقومون به·

قبل أكثر من تسعة قرون عبر يوسف بن تاشفين البحر لينقذ "ملوك الطوائف" السابقين من ظلم الأسبان مرة، ثم عبره ثانيةً لينقذ الأندلس من ظلم "ملوك الطوائف" مرة أخرى· فمن ذا الذي ينقذنا اليوم من ظلم "ملوك الطوائف" الجدد لأنفسهم ولنا، وللتاريخ الذي يعيد نفسه، شاء من شاء وأبى من أبى·

* كاتب إماراتي

 aliobaid4000@yahoo.com

�����
   

نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية:
د. نسرين مراد
الدقائق الأخيرة:
فهد راشد المطيري
ملوك الطوائف الجدد:
علي عبيد
حكومتان لكل بلد عربي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
سؤال قد يكون وجيهاً:
على محمود خاجه
"استقل وارحل...
نصائح بالمجان":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
الوعي المزيف والوعي الواقعي:
فيصل عبدالله عبدالنبي
استجوبوا الحكومة عن الخيار والطماطم كي لا تجزع !:
محمد بو شهري
الدوائر الخمس ومواقف النواب:
أحمد سعود المطرود
عام الحوار الثقافي:
ياسر سعيد حارب
يا الجارالله خاف الله:
المهندس محمد فهد الظفيري
حكومات الخيانة والإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
أدب للنساء:
مريم سالم
بين العصر الحجري والعصر الدموي:
الدكتور محمد سلمان العبودي
احترام العقل الإنساني:
د. محمد عبدالله المطوع