قد يكون هنالك استياء واضح ومبرر يعبر عنه الكويتيون في كل مواقعهم من الموقف العربي الرسمي والشعبي تجاه الكويت في المرحلة الراهنة، وقد يجد الكثير أنفسهم في موقع يصعب معه اتخاذ موقف أو قرار تجاه الحرب الدائرة، لكن ذلك لا يجب أن ينعكس أو يؤثر في مواقف أو سياسات كويتية كانت دائما وستبقى علامات وشواهد بارزة في مسيرتنا السياسية كدولة وكمؤسسات·

الحديث الذي أثاره البعض أخيرا حول وقف قروض صندوق الكويت للتنمية، هو بلا شك حديث تحكمه العاطفة، وردود الفعل الوقتية تجاه ما يجري من أحداث وتفاعلات في إطار الحرب القائمة على نظام بغداد ونحن نكاد نطأ هنا في غمرة انفعالنا إنجازات حكيمة ميزتنا كدولة مؤسسات وذيلت تعاملنا الحكيم مع دول كثيرة تربطنا بها مصالح وعلاقات لا تحكمها رؤى أو ظروف مرحلية مهما بلغت حدة تلك الظروف ومهما كان مدى قسوتها··

أنشئ “الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية” إبان العصر المشرق في الكويت أي عصر الستينيات برأسمال قدره 50 مليون دينار، ومنذ إنشائه وحتى اليوم هناك 99 دولة استفادت من قروضه بقيمة إجمالية زادت عن 11 مليار دولار تقريبا وبعدد من القروض وصل الى 628 قرضا، كان عدد الدول العربية المستفيدة من هذه القروض 16 دولة عربية و40 دولة إفريقية و32 دولة آسيوية وأوروبية و10 دول في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، نصيب الدول العربية من تلك المبالغ والقروض يبلغ 6 مليارات دولار أي ما نسبته %53 والدول الإفريقية %17,8 والدول الآسيوية والأوروبية %26,9 ودول أمريكا اللاتينية %2,4، أما إجمالي عدد المساعدات الفنية المقدمة من الصندوق منذ تأسيسه فهي تقدر بنحو 214 منحة، وقد شملت المساعدات والقروض دولا في قارات جغرافية متباعدة·

لقد خلق الصندوق الكويتي من خلال أنشطته التنموية علاقات سياسية كثيرة، بعضها لا توجد بينها وبين دولة الكويت أي علاقات دبلوماسية ولا تجارية، والعلاقة الوحيدة هي من خلال الصندوق الكويتي ونشاطه، الذي يعتبر من أحد أهم أدوات السياسة الخارجية لدولة الكويت والذي يعتمد عليه راسمو السياسة الخارجية، كما يعتبر الصندوق إحدى الأدوات الرئيسية التي تستطيع الدولة من خلالها تنفيذ سياستها الخارجية، كما أن التحويلات المباشرة التي كانت تدفعها الدولة لدعم المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وغيرها أصبحت تدفع من خلال الصندوق نيابة عن دولة الكويت·

المطالبة إذا بوقف عمل الصندوق لمدة عامين تعني وقفا لهذا الدور المتميز الذي طالما افتخرت به الكويت دولة وشعبا، كما أن مثل هذا الوقف لن يؤدي غرضه إذا ما اعتبرنا أن الهدف هو معاقبة الدول التي اتخذت مواقف معادية للكويت في الحرب الأخيرة، لأن آلية الإقراض في أي مؤسسة تنموية كالصندوق الكويتي تتطلب مدة قد لا تقل عن خمسة أعوام يتم فيها تقديم الطلب، ثم دراسة جدوى للمشروع المزمع الاقتراض له، وهكذا مما يجعل من مهلة المقاطعة المقترحة من البعض اقتراحا مسيئا للكويت وليس معيقا بشكل كبير وملموس لعملية الإقراض بشكل عام·

لقد أنعم الله على الكويت بسلعة بالغة الحيوية والأهمية يتنافس عليها عسكريا وسياسيا العالم بأكمله، ونحن كدولة صغيرة الحجم والسكان لا نملك إلا أن نستخدم تلك السلعة لكي نعزز عن طريقها دورا سياسيا وحضاريا متميزا في خريطة العالم السياسية، وقد استطعنا الى حد كبير أن نمتد امتدادا عميقا في شتى أنحاء العالم النامي عربيا كان أم غير عربي من خلال إسهامات صندوق التنمية الكويتي، ونحن بلا شك لا نريد أن نضيّع نبتة يانعة رعيناها لأكثر من أربعة عقود بسبب حماقات سياسية عربية هنا أو هناك، لأننا في نهاية الأمر باقون من خلال مساهماتنا التنموية التي زرعت علما للكويت في شتى أنحاء المعمورة، ويوما ما سيؤتى حصادنا ثمرته·

نتمنى أن تبقى الحنكة والحكمة الكويتية عنواننا الدائم، وأن تكون أداتنا في اقتحام العالم الحضاري من حولنا لكي لا نعود الى فلسفة الانكفاء الى الداخل أو الهروب الى الداخل من جديد·