ما إن سقط الطاغوت صدام ونظامه حتى تنفس العراقيون الصعداء وبدأوا يطرحون آراءهم ومتبنياتهم وتوجهاتهم بحرية غير مسبوقة·
فكل يوم تنقل لنا وسائل الإعلام صورا عن تجمعات وتظاهرات سياسية تنطلق فيها هتافات مؤيدة لهذا الجانب أو معارضة لذاك الجانب، وكأنهم يتدربون على ممارسة الديمقراطية الجديدة والتي ستكون أسلوب حياتهم المقبلة·
وأخذت وسائل الإعلام تنقل للعالم أجمع خطب صلاة الجمعة التي يتكلم فيها الخطباء بكل صراحة وحرية، وأكثر من ذلك حين يقوم المراسلون بمقابلة أبناء الشعب العراقي في أي مكان تجدهم يعبرون عن رأيهم بوضوح وبشكل صريح حول القضايا السياسية والاجتماعية وينتقدون من يشاؤون بشكل غير مسبوق، حيث كان ذلك من المحرمات في أثناء حكم طاغية العراق الذي لم يسمع إلا رأيه·
هذه النقلة النوعية في الحرية التي تشهدها الساحة العراقية لا بد أن تنقل الى أولئك الذين كانوا يحاولون منع هذا الشعب من التعبير عن رأيه ومن أخذ حريته فكانوا بوقا للنظام البائد في وسائل الإعلام المختلفة يدافعون عن جرائمه ويزينون للناس سلبياته ويدافعون عنه رغم علمهم بكذبه ودجله·
سقوط نظام البعث العراقي فتح المجال للعالم أجمع ليعرف أهم المؤسسات الدينية التي كانت مضطهدة في البلد ومنها حوزة النجف العلمية والتي أسسها الشيخ محمد بن الحسن الطوسي منذ ما يقارب ألف عام وما زالت تواصل عطاءها العلمي بأسلوب علمي معطاء وما زالت تخرّج المئات من العلماء والمؤرخين والأدباء·
لقد حاول حزب البعث محو تأثير هذه الحوزة على الشارع العراقي إلا أن سقوطه أثبت أن للحوزة مكانة سامية في قلوب العراقيين وأن تأثيرها سيكون كبيرا على الحياة السياسية والفكرية والثقافية لعراق المستقبل·
سقوط نظام الطاغية سيفسح المجال كاملا لمؤسسات المجتمع المدني كي تنمو وتزدهر في بلد كان يتباهى أهله بتفوقهم الأدبي والفكري والثقافي والذي تجمد خلال العقود السابقة، وها هو يعود شيئا فشيئا ليحتل العراق مكانته الكبيرة بين الأمم في جو من الحرية والديمقراطية والأمان· |