فصل الدين عن الدولة هي أبرز مسألة طرحت وبقوة في اجتماع مدينة الناصرية للقوى السياسية العراقية، بل نستطيع القول إن هذه المسألة لم تطرح وبمثل هذا الوضع في أي اجتماع سابق أو مؤتمر للقوى السياسية العراقية ومن دعوة صريحة إلى قيام نظام سياسي عراقي علماني وليبرالي يواكب العصر والمتغيرات العاصفة التي سادت العالم المعاصر·
وهذا التيار “تيار فصل الدين عن الدولة والدعوة إلى العلمانية” ليس جديدا بل كان حاضرا لكنه يتبلور بهدوء وحذر وتردد وهذه الدعوة تعني أن الولاء يجب أن يكون للعراق أولا والمواطنة العراقية هي الأساس، وليس ولاء للدين أو الطائفة أو القبيلة وتقسيم المجتمع إلى قوميات متصارعة وطوائف متنافرة متطاحنة·
وبالفعل فإن أخطر مايواجه العراق هو تسييس الدين وإقحامه في الصراع والولاءات السياسية والمراكز والوظائف والمناصب السياسية واللعبة البرلمانية مما يعتبر إساءة للدين الحنيف ومبادئه وقيمه الروحانية السامية التي يجب أن تكون بعيدة عن المصالح والسياسات والصراعات الفئوية والحزبية·
وهذا يتطلب أن لا تتدخل الدولة العراقية في قضايا الدين والطوائف وأن تحترم الحرية الدينية “حرية اعتناق الأديان” والانتماء الطائفي وممارسة الشعائر والطقوس والفروض الدينية وأن تمنع الأحزاب التي تقوم على أساس ديني أو طائفي أو قبلي لأن ذلك يمزق المجتمع ويسيء إلى الدين وقيمه ومبادئه السامية·
إن التيار العلماني الذي انطلق من فصل الدين عن الدولة في اجتماع مدينة الناصرية لهو دليل ساطع على مدى نضج شعبنا العراقي وثرائه الفكري والشعور العالي بالمسؤولية الوطنية وعلى أن العراق للعراقيين جميعا دون تمييز وإقصاء وتحريم على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي مما يعطي ويمنح العراق كدولة قوة على قوة ويعطي الشعب العراقي وحدة وتماسكا باتجاه بناء العراق الجديد وإعماره وتنميته البشرية والمادية الطبيعية وبناء مؤسساته السياسية والدستورية كما يعطيه أبعادا ودلالات جديدة وآفاقا مفعمة بالإنجازات الكبيرة والمؤثرة وعلى جميع الأصعدة الفكرية والثقافية والإبداعية والاجتماعية والاقتصادية·
وأن مبدأ فصل الدين عن الدولة يعني احتراما أكبر للأديان وقدسيتها واستقلالا أكبر لها وتفاعلا إيجابيا فيما بينها وإشاعة أجواء السلام الاجتماعي والتماسك والوحدة القائمة على التنوع والتعددية·
إن قيام العراق الجديد على أسس ثابتة ورصينة ومن بينها مبدأ فصل الدين عن الدولة كمعطى تاريخي يضع العراق كدولة والشعب العراقي على طريق التقدم والتطور والازدهار ويجنبه أشد الأخطار وأنواع الاحتراب والتمزق والصراع ليكون العراق عامل إلهام واستقرار وسلام وأمان ورخاء في الداخل والخارج·
نحن ندرك جيدا أن إنجاز تلك المهمات الكبرى ليس سهلا وأن هناك مجموعة كبيرة من المعوّقات والتركات الثقيلة الموروثة لكننا متفائلون في تجاوزها وتجفيف منابعها بفضل إدراك شعبنا الواعي وثرائه الفكري وحراكه الاجتماعي والسياسي وإبداعه في شتى المجالات ومخزونه التاريخي المعاصر، إذ إننا بل العالم برمته يعيش في مرحلة تاريخية إنسانية جديدة تتطلب الحوار والتفاعل والتمازج واللقاء والعمل المشترك والمنافع والمصالح المشتركة والمتكافئة في أجواء من الثقة المتبادلة والتعاون الإيجابي البنّاء بعيدا عن الانعزال والانكفاء والتمسك بمعايير وتقاليد وأعراف وسيمات وثوابت وإيديولوجيات هي بالضد ولا تنسجم مع هذه الانعطافة التاريخية الكبرى التي وضعت العالم في واقع جديد ينبغي التفاعل معه والانسجام مع معطياته بفعالية وحضور من أجل ضمان مصالحنا وإثبات وجودنا وتحقيق أهدافنا ومطالبنا بإخلاص ونزاهة وإيثار وذكاء ودهاء·
إن بناء العراق الجديد يتطلب تحشيد وتفجير كل الطاقات وتوجيهها التوجيه الصحيح في مسارات البناء والتنمية والإعمار البشري والمادي الطبيعي وأن يكون رائد الجميع العمل الخلاّق والمنتج بعيدا عن الاتكالية والكسل وإهدار الوقت في عهد جديد نحن بأمس الحاجة إلى جميع الجهود والطاقات وإلى المزيد من الوقت الذي يجب أن يكون قيمة عالية لانظير لها· |