لا أدري ماذا أكتب وماذا أقول؟ ولا أدري أن الكلمات تنصفكم أو تفي بحقكم، لأن القلم عجز عن الوصف والكلام والسبب أني أراكم أكبر من مقالة أو بضع كلمات تكتب، واسمح لي عزيزي القارىء إن ابتعدت اليوم عن السياسة وهمومها لأن ما سيخطه القلم اليوم عبارة عن رسالة وفاء لأشخاص فقدناهم ورحلوا عن دنيانا الى دار الآخرة· أناس ليسوا بأعلام سياسيين ولا أعلام منابر الخطابة، لكنهم أعلام بصراحتهم التي هي كالسيف عند قول الحق، أعلام في مبادئهم لم تدنسها شوائب الفساد ولا إغراء المال، عاشوا حياتهم كراماً أحرارا بعيداً عن حياة التطرف واللعب على أنغام الطائفية، كانوا مثلا للوسطية السمحة مع كل من عاشروهم وجالسوهم، كانوا ينظرون للناس على أنهم أبناء هذا البلد لا فرق بينهم ولا يتعالون على أحد، كانو امتدادا لزمن جميل كنا نسمع عنه·
زمان فيه بساطة العيش وصفاء النفس، كانوا يستمعون لأحاديث الشباب بكل رحابة صدر ويجادلون بكل احترام بعيدا عن التجريح والتوبيخ·
كانوا أصحاب نفس مرحة ودودة تتمنى أن يقف الوقت لتطول المجالسة، خاصة عند حديثهم عن زمن الذكريات القديمة، زمن بريء لن يعود، لكن للأسف القدر لم يمهلهم ولم يمهلنا الوقت الكافي لنتعلم منهم البساطة، لنتعلم منهم كيف يكون الإنسان عزيزاً· كيف يكون الإنسان صاحب مبدأ راسخ بالنفس لا يميل ولا ينحرف لإغراء المادة، لكن كما قلت بالسابق إنه القدر ولا راد لقدر الله سبحانه إلا الله عز وجل· فما زلنا ننظر لأماكن جلوسكم في الديوان ومازلنا نتذكر أحاديثكم الشيقة بكل لوعةٍ وحسرة، فرحيلكم عنا كانت فاجعة لم نكن نتوقعها ولم نحسب في بالنا أنكم سترحلون بهذه السرعة، وقديماً قيل: هناك ناس تندم لرحيلهم لأنهم كالذهب لا يصدأ أو لا يتآكل مع الزمن، وهناك ناس أمامك كل ساعة وكل لحظة، لكن تتمنى أن تفارقهم ولا تراهم للأبد· وأنتم والله من النوع الأول كالذهب بل أحسن منه بكثير، لأن معرفة الرجال في هذا الزمن أصبح عملة نادرة وقيمة، زمن انتصر فيه الكذب والنفاق وعُباد المال والجاه، وفي النهاية لا أقول إلا رحم الله العم / علي أحمد الجسمي، ورحم الله العم / محمد المسفر· وأسكنكم فسيح جناته· (عشتم كراماً ورحلتم كراماً)· |