الناظر والمتابع لأحداث لبنان في الخميس الماضي الدامي مثلما قيل عنه في المحطات التلفزيونية والإذاعية وما نتج عنه من أحداث أدت الى مقتل أربعة وإصابة تسعة من أفراد قوة الأمن ناهيك عن التخريب المتعمد الذي لحق بممتلكات الأفراد وإطلاق النار عشوائيا على المارة وعلى المنازل كل هذا حصل لأن هناك طرفاً معارضاً للحكومة وطرفاً موالاً للحكومة وأدت هذه الأحداث بالتالي لنداءات من زعماء الأحزاب لإخلاء الشوارع وعدم الاقتتال وفرضت الحكومة حظر تجوال لمدة 12 ساعة تقريبا بهدف فرض السيطرة وإعادة الأمن وللأسف كل الأحداث التي مرت بالسابق بالإضافة لهذه الحادثة والحوادث التي ستأتي فيما بعد لا سمح الله، تؤكد للمواطن والفرد العادي بأن لبنان متجه نحو الدمار السياسي والاقتصادي· يؤكد للفرد ويجزم يقينا بأن المواطن اللبناني اليوم أصبح أسيراً داخل وطنه وهذا المواطن يريد الهجرة اليوم قبل الغد من لبنان الى أى بقعة في العالم ليعيش حياة كريمة على الأقل بعيدا عن صراع الأحزاب وبعيداً عن التدخلات الأجنبية التي تهطل على لبنان من كل حدب وصوب فالمعارضة تطالب بحل الحكومة وتعتصم بوسط بيروت ضاربة المخيمات فتعطل الأشغال وتسد الطرق على عباد الله حتى وصل الأمر الى تعطيل طريق المطار وعدم تمكن المغادرين من الوصول للمطار إلا بشق الأنفس وعند وصولهم فوجئوا بأن الرحلات قد ألغيت·
أما القادمون فكان حالهم أسوأ حيث لا سيارات أجرة تقلهم الى الفندق أو بيوتهم واضطروا لجر حقائبهم بالشارع مجتازين الإطارات المحروقة والمتاريس ليصلوا الى مناطقهم· الموالون أدواتهم الى الآن هي التجمعات بكثافة في بعض المناطق بهدف توصيل رسالة للمعارضة بأننا موجودون ولدينا القوة للرد عليكم مع محاولات الفريق الموالي للحكومة لكسر الحصار والذهاب للأعمال غير مهتمين بحصار المعارضة ناهيك عن عقد المؤتمرات الصحافية لرؤساء الأحزاب الموالية للرد على المعارضة ليقابل الطرف الثاني بالمثل مما نتج عنه مسلسل طويل عريض للخيانة وعدم الأمانة واتهام كل طرف للآخر بأنه سبب المشكلة وأنه يأتمر بأوامر خارجية وأن هناك من يريد الارتماء بأحضان إسرائيل الخ، من هذه الأقوال المملة وللأسف سبب ما يحدث اليوم في لبنان هو نتيجة لغياب الدولة ومفهومها لأن الدولة في مفهوم رؤساء الأحزاب اللبنانية كلهم ولا أستثني أحداً أن كل حزب يريد النصيب الأكبر لطائفته، فحزب الله يتهم وتيار المستقبل يتهم، وحزب الكتائب يرد بعنف على حزب اللقاء الوطني وهلم جراً!!
أي أن القصة ستطول لأن مثلما قلت لا أحد منهم يريد الآخر في دولته، والحكومة عاجزة عن تطبيق القانون لأن كل طرف يقول: طبقي يا حكومة على فلان أولا ثم علي أنا، مما ينتج عن هذه الحالة الفوضوية شعور لدى المواطن اللبناني بأن الحزب فوق الدولة والقانون·
أما إذا كان هناك العكس وهذا المفترض فالحكومة تقوم بإدارة الدولة وفق مفاهيم الدولة الحديثة، لأن الحكومات في العالم المتطور لا تنظر الي الحزب بأنه الوطن بل ترى أن الوطن هو الدولة بغض النظر عن انتماء الحكومة لحزب معين، فالحكومة وأن كانت حزبية لابد بل يلزم عليها تشريع القانون على كافة الناس وتطبيقه· وحكومة الدولة، وهذا ما ينقص لبنان، تتعاون مع كافة الأطراف السياسية الأخرى وإن كانت مخالفة لها بالرأي لأن بالأخير يعطي مجالاً للطرف الآخر للانتقاد ضمن الأطر الدستورية، لكن مثلما قلت أن كل هذا مفقود بلبنان لأن الحكومة تستمع الآن لطرف واحد والطرف الآخر لا يريد الجلوس مع الحكومة أى أن الحكاية لا يوجد لها مقدمة ولا مؤخرة ففي لبنان اليوم مفقود عندهم رجل الدولة الذي لا ينظر الى حزبه بأنه صاحب الفضل بوصوله الى الكرسي، لا يوجد اليوم في لبنان رجل الدولة الذي يستمع ويتناقش مع كل الأطراف المتنازعة لا يوجد اليوم رجل الدولة الذي يختلف مع حزبه من أجل الشعب، لأن هذه الصفة النادرة اليوم بلبنان كانت موجودة بأشخاص إما رحلوا عن الدنيا أو انعزلوا عن الحياة السياسية بسبب إقصائهم من قبل الآخر· وبالختام لا أقول إلا جملة واحدة ما دام رجل الدولة مفقوداً في لبنان فأبشر يا لبنان بطول همك وغمك·· والله كريم· |